ابن الفارض

(تم التحويل من عمر بن الفارض)
الشاعر الصوفي العباسي ابن الفارض

ابن الفارض (و. 1181 - ت. 1235[1])، هو حفص وأبو القاسم عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي ، ويعرف بكنية ابن الفارض، وذلك راجع إلى أن أباه كان يعمل فارضا. والفارض ، هو الذي كان يثب الفروض للنساء على الرجال من بين يدي الحكام، ثم ولي نيابة الحكم. وكان من شعراء العصر العباسي المتصوفين.[2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسبه

هو أبو حفص وأبو القاسم عمر بن أبى الحسن على بن المرشد بن على، الحموى الأصل، المصرى المولد والدار والوفاة، المعروف بابن الفارض، المنعوت بالشرف، الشاعر المشهور. ولد بالقاهرة سنة (576هـ).

حياته

ولد ابن الفارض في الربع الاخير من القرن السادس والثلث الاول من القرن السابع الهجري، فقد ولد ونشأ وترعرع، وشارك في الحياتين الأدبية والروحية في عصر له أهميته من النواحي السياسية، الحربية، العلمية، الأدبية، الدينية، والتصوفية للحياة المصرية الإسلامية. اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن [ابن عساكر]، وأخذ عنه الحافظ المنذري وغيره.

ابن الفارض شاعراً

كان ابن الفارض شاعر متصوف، يلقب بسلطان العاشقي ، في شعره فلسفة تتصل بما يسمى (وحدة الوجود).

وله ديوان شعر لطيف، وأسلوبه فيه رائق ظريف، ينحو مَنحى طريقة الفقراء، وله قصيدة تائية مشهورة مقدار ستمائة بيت على اصطلاحهم ومنهجهم. وكان رجلاً صالحًا، كثير الخير، على قدم التجرد، جاور بمكة زمانًا، وكان حسن الصحبة محمود العشيرة.

الطريق إلى التصوف

قضى ابن الفارض أول حياتته سالكا طريق التصوف والتجريد ، سائحا في وادي المستضعفين في جبل المقطم بمصر ، ثم رحل بعد ذلك إلى مكة ، وأقام بها خمسة عشر سنة بين السياحة في الأودية ، وبين الطواف حول الحرم الشريف ، وبين التعبد والتهجد في البقاع المقدسة من أرض الحجاز ، آخذا نفسه فيما بين هذا كله بألوان من الرياضات والمجاهدات. صاغت هذه الرياضات الروحية ابن الفارض صياتغة خلقية خاصة ، ووجهت سلوكه في حياته الفردية والاجتماعية وجهة سامية.

فالنسك والعفة وصوم النهار واحياء الليل ، والتتورع والزهد كل ذلك جعله يخلص نفسه من حياتها المادية ، مطئمنا الى البهجة العظمى ، وهي الظفر بالقرب والوصول والأنس من محبوبه الاسمى. ولم يكن ابن الفارض الصوفي الذي قضى عمره في تحقيق تلك البهجة ، واقفا في رياضته الروحية عند هذا الحد ن انما كان ذاهبا فيها الى أبعد الحدود.

من قصائد من شعر ابن الفارض

[3]

اقرأ نصاً ذا علاقة في

ابن الفارض


تائيّة‌ ابن‌ الفارض‌ المصري‌

والأبيات‌ التالية‌ للعارف‌ القدير: أبي‌ حفص‌ بن‌ أبي‌ الحسن‌ بن‌ المرشد الحموي‌ المعروف‌ بابن‌ الفارض‌ المصري‌، في‌ هذا الخصوص‌، تنعش‌ قلب‌ كلّ قاري‌ وتبعث‌ النشاط‌ في‌ روحه‌ لما تحويه‌ من‌ حقائق‌ عرفانيّة‌ جليلة‌، حيث‌ يقول‌[4]:

وَإسْرَاءُ سِـرِّي‌ عَنْ خُصُـوصِ حَقِيقَةٍ إلی‌َّكَـسَـيْـرِي‌ فِي‌ عُـمُـومِ الشَّـرِيعَةِ
وَلَمْ أَلْهُ بِاللاَهُوتِ عَنْ حُكْمِ مَظْهَرِي‌ وَلَمْ أَنْـسَ بِالنَّاسُـوتِ مَظْهَرَ حِكْمَتِي‌
فَعَنِّي‌ عَلَـي‌ النَّفْـسِ العُقُـودُ تَحَكَّمَتْ وَمِنِّي‌ عَلَی‌ الحِـسِّ الحُـدُودُ أُقِيمَتِ
وَقَدْ جَـاءَنِـي‌ مِـنِّـي‌ رَسُـولٌ عَلَیْـهِ مَا عَنِتُّ عَزِيزٌ بِي‌ حَرِيـصٌ لِرَأْفَةِ
فَحُكْمِـي‌َ مِـنْ نَفْـسِـي‌ عَلَیْهَـا قَضـيَّةٌ وَلَـمَّـا تَـوَلَّـتْ أَمْــرَهَـا مَـا تَـوَلَّـتِ
وَمِنْ عَهْدِ عَهْدِي‌ قَبْلَ عَصْرِ عَنَاصِرِي‌ إلَـي‌ دَارِ بَـعْـثٍ قَـبْـلَ إنْـذَارِ بَعْـثَـةِ
إلَـي‌َّ رَسُـولاً كُـنْـتُ مِـنِّـي‌ مُـرْسَــلاً وَذَاتِـي‌بِـآيَـاتِـي‌ عَـلَـي‌َّ اسْـتَـدَلَّـتِ
وَلَمَّا نَقَلْتُ النَّفْـسَ مِـنْ مِلْكِ أَرْضِـهَا بِحُكْـمِ الشِّـرَي‌ مِنْهَـا إلی‌ مُلْـكِ جَنَّةِ
وَقَدْ جَاهَدَتْ وَاسْتَشْهَدَتْ فِي‌ سَبِيلِهَا وَفَازَتْ بِبُشْـرَي‌ بَيْعِهَـا حِـيـنَ أَوْفَتِ
سَمَتْ بِي‌ لِجَمْعِي‌ عَنْ خُلُودِ سَـمَائِهَا وَلَمْ أَرْضَ إخْـلاَدِي‌ لاِرْضِ خَلِيفَتِي‌
وَلاَ فَـلَــكٌ إلاَّ وَمِــنْ نُـورِ بَـاطِـنِـي‌ بِهِ مَلَـكٌ يُهْـدِي‌ الهُـدَي‌ بِمَـشِـيئَتِي‌
وَلاَ قُطْـرَ إلاَّ حَـلَّ مِنْ فَيْـضِ ظَاهِرِي بِهِ قَـطْـرَةٌ عَنْهَـا السَّـحَـائِبُ سَـحَّتِ
وَمِنْ مَطْلَعِـي‌ النُّـورُ البَـسِـيطُ كَلَمْعَةٍ وَمِنْ مَشْـرَعِي‌ البَحْرُ المُحِيطُ كَقَطْرَةِ
فَكُـلِّـي‌ لِـكُـلِّــي‌ طَـالِـبٌ مُـتَـوَجِّـهٌ وَبَعْضِـي‌ لِبَعْـضِـي‌ جَـاذِبٌ بِالاَعِنَّـةِ
وَمَنْ كَانَ فَـوْقَ التَّحْتِ وَالفَوْقُ تَحْتَهُ إلی‌ وَجْهِـهِ الهَادِي‌ عَنَـتْ كُلُّ وِجْهَةِ
فَتَحْتُ الثَّـرَي‌ فَـوْقَ الاَثِيـرِ لِرَتْـقِ مَا فَتَقْـتُ وَفَـتْـقُ الرَّتْـقِ ظَاهِـرُ سُـنَّتِي‌
وَلاَ شُـبْـهَـةٌ وَالجَـمْـعُ عَـيْـنُ تَيَـقُّـنٍ وَلاَ جِـهَـةٌ وَالاَيْـنُ بَـيْـنَ تَـشَـتُّـتِـي‌
وَلاَ عِـدَّةٌ وَالـعَــدُّ كَالـحَــدِّ قَـاطِــعٌ وَلاَ مُـدَّةٌ وَالـحَــدُّ شِــرْكُ مُـوَقِّـتِ
وَلاَ نِدَّ فِي‌ الدَّارَيْـنِ يَقْضِي‌ بِنَقْضِ مَا بَنَيْتُ وَيَمْضِـي‌ أَمْـرُهُ حُكْـمَ إمْـرَتِي‌
وَلاَ ضِدَّ فِي‌ الكَوْنَيْنِ وَالخَلْقُ مَا تَرَي بِهِمْ لِلتَّسَـاوِي‌ مِـنْ تَفَـاوُتِ خِلْقَتِـي‌
وَمِـنِّـي‌ بَـدَا لِـي‌ مَـا عَلَـي‌َّ لَـبَـسْـتُـهُ وَعَـنِّـي‌ البَـوَادِي‌ بِـي‌ إلَـي‌َّ أُعِيـدَتِ
وَفِي‌َّ شَـهِدْتُ السَّـاجِدِينَ لِمَظْهَـرِي‌ فَحَقَّقْـتُ أَ نِّـي‌ كُنْتُ آدَمَ سَـجْدَتِـي‌
وَعـايَنْـتُ رُوحَـانِيَّـةَ الاَرَضِـيـنَ فِي‌ مَـلاَئِـكِ عِلِّيِّيـنَ أَكْفَـاءَ سَـجْـدَتِـي‌

ثمرات‌ توضيح‌ ابن‌ الفارض‌ لكيفيّة‌ رؤية‌ الله‌ وعرفان‌ الإنسان‌ الكامل‌

وعموماً، فإنّ هذه‌ الابيات‌ هي‌ خلاصة‌ ما نظمه‌ الشاعر وهو يخوض‌ غمار السلوك‌ إلي‌ الله‌، وهو يشرح‌ كذلك‌ بعضاً من‌ مقامات‌ العارفين‌ الفانين‌ في‌ ذات‌ الله‌ والباقين‌ ببقائه‌. وباختصار، يمكن‌ القول‌ إنّ كلّ ما كتبه‌ يمكن‌ أن‌ يلخّص‌ في‌ بيت‌ واحد له‌:

فَلَمْ تَهْـوَنِـي‌ مَـا لَـمْ تَـكُـنْ فِي‌َّ فَـانِياً وَلَمْ تَفْنَ مَا لاَ تُجْتَلَي‌ فيكَ صـورَتي‌

ومن‌ جملة‌ الادعية‌ المقروءة‌ في‌ شهر رجب‌ المرجّب‌ ( والذي‌ نحن‌ فيه‌ ) دعاء رواه‌ الشيخ‌ الطوسي‌ قدّس‌ سرّه‌:

يَا مَنْ سَمَا فِي‌ العِزِّ فَفَاتَ خَوَاطِرَ ] نَوَاظِرَ الاَبْصَارِ؛ وَدَنَا فِي‌ اللُطْفِ فَجَازَ هَوَاجِسَ الاَفْكَارِ.
يَا مَنْ تَوَحَّدَ بِالمُلْكِ فَلاَ نِدَّ لَهُ فِي‌ مَلَكُوتِ سُلْطَانِهِ، وَتَفَرَّدَ بِالآلاَءِ وَالكِبْرِيَاءِ فَلاَ ضِدَّ لَهُ فِي‌ جَبَرُوتِ شَأْنِهِ
يَا مَنْ حَارَتْ فِي‌ كِبْرِيَاءِ هَيْبَتِهِ دَقَائِقُ لَطَائِفِ الاَوْهَامِ، وَانْحَسَرَتْ دُونَ إدْرَاكِ عَظَمَتِهِ خَطَائِفُ أَبْصَارِ الاَنَامِ.
يَا مَنْ عَنَتِ الوُجُوهُ لِهَيْبَتِهِ، وَخَضَعَتِ الرِّقَابُ لِعَظَمَتِهِ، وَوَجِلَتِ القُلُوبُ مِنْ خِيفَتِهِ.


يَقُولُونَ لِي‌ صِفْهَا فَأَنْتَ بِوَصْفِهَا خَبِيرٌ أَجَلْ عِنْدِي‌ بِأَوْصَافِهَا عِلْمُ
صَفَاءٌ وَلاَ مَاءٌ وَلُطْفٌ وَلاَ هَوا وَنُورٌ وَلاَ نَارٌ وَرُوحٌ وَلاَ جِسْمُ
تَقَدَّمَ كُلَّ الكَائِنَاتِ حَدِيثُهَا قَدِيماً وَلاَ شَكْلٌ هُنَاكَ وَلاَ رَسْمُ
وَقَامَتْ بِهَا الاَشْيَاءُ ثَمَّ لِحِكْمَةٍ بِهَا احْتَجَبَتْ عَنْ كُلِّ مَنْ لاَ لَهُ فَهْمُ
وَهَامَتْ بِهَا رُوحِي‌ بِحَيْثُ تَمَازَجَا اتِّـ ـحَاداً وَلاَ جِرْمٌ تَخَلَّلَهُ جِرْمُ
فَخَمْرٌ وَلاَ كَرْمٌ وَآدَمُ لِي‌ أَبٌ وَكَرْمٌ وَلاَ خَمْرٌ وَلِي‌ أُمُّهَا أُمُّ
وَلُطْفُ الاَوَانِي‌ فِي‌ الحَقِيقَةِ تَابِعٌ لِلُطْفِ المَعَانِي‌ وَالمَعَانِي‌ بِهَا تَنْمُو

إلي‌ أن‌ قال‌ في‌ آخره‌:

فَلاَ عَيْشَ فِي‌ الدُّنْيَا لِمَنْ عَاشَ صَاحِياً وَمَنْ لَمْ يَمُـتْ سُـكْراً بِهَا فَاتَهُ الحَـزْمُ
عَلَی‌ نَفْـسِـهِ فَلْيَبْـكِ مَنْ ضَـاعَ عُمْـرُه وَلَـيْـسَ لَهُ فِـيـهَـا نَصِـيـبٌ وَلاَ سَهْمُ


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حق هواك

قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ[5]
لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي مَن يَفي
ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ، في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ
فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛ يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ
يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ
عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي منْ جِسميَ المُضْنى ، وقلبي المُدنَفِ
فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي، والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي
لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلاتُضعْ سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ
واسألْ نُجومَ اللّيلِ:هل زارَ الكَرَى جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟
لا غَروَ إنْ شَحّتْ بِغُمضِ جُفونها عيني وسحَّتْ بالدُّموعِ الدُّرَّفِ
وبماجرى في موقفِ التَّوديعِ منْ ألمِ النّوى ، شاهَدتُ هَولَ المَوقِفِ
إن لم يكُنْ وَصْلٌ لَدَيكَ، فَعِدْ بهِ أملي وماطلْ إنْ وعدتَ ولاتفي
فالمطلُ منكَ لديَّ إنْ عزَّ الوفا يحلو كوصلٍ منْ حبيبٍ مسعفِ
أهفو لأنفاسِ النَّسيمِ تعلَّة ً ولوجهِ منْ نقلتْ شذاهُ تشوُّفي
فلَعَلَ نارَ جَوانحي بهُبوبِها أنْ تَنطَفي، وأوَدّ أن لا تنطَفي
يا أهلَ ودِّي أنتمُ أملي ومنْ ناداكُمُ يا أهْلَ وُدّي قد كُفي
عُودوا لَما كُنتمْ عليهِ منَ الوَفا، كرماً فإنِّي ذلكَ الخلُّ الوفي
وحياتكمْ وحياتكمْ قسماً وفي عُمري، بغيرِ حياتِكُمْ، لم أحْلِفِ
لوْ أنَّ روحي في يدي ووهبتها لمُبَشّري بِقَدومِكُمْ، لم أنصفِ
لا تحسبوني في الهوى متصنِّعاً كلفي بكمْ خلقٌ بغيرِ تكلُّفِ
أخفيتُ حبَّكمُ فأخفاني أسى ً حتى ، لعَمري، كِدتُ عني أختَفي
وكَتَمْتُهُ عَنّي، فلو أبدَيْتُهُ لَوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْفِ الخَفي
ولقد أقولُ لِمن تَحَرّشَ بالهَوَى : عرَّضتَ نفسكَ للبلا فاستهدفِ
أنتَ القتيلُ بأيِّ منْ أحببتهُ فاخترْ لنفسكَ في الهوى منْ تصطفي
قلْ للعذولِ أطلتَ لومي طامعاً أنَّ الملامَ عنِ الهوى مستوقفي
دعْ عنكَ تعنيفي وذقْ طعمَ الهوى فإذا عشقتَ فبعدَ ذلكَ عنِّفِ
بَرَحَ الخَفاءَبحُبّ مَن لو، في الدّجى سفرَ الِّلثامَ لقلتُ يا بدرُ اختفِ
وإن اكتفى غَيْري بِطيفِ خَيالِهِ، فأنا الَّذي بوصالهِ لا أكتفي
وَقْفاً عَلَيْهِ مَحَبّتي، ولِمِحنَتي، بأقَلّ مِنْ تَلَفي بِهِ، لا أشْتَفي
وهَواهُ، وهوَ أليّتي، وكَفَى بِهِ قَسَماً، أكادُ أُجِلّهُ كالمُصْحَفِ
لوْ قالَ تِيهاً:قِفْ على جَمْرِ الغَضا لوقفتُ ممتثلاً ولمْ أتوقفِ
أوْ كانَ مَنْ يَرْضَى ، بخدّي، موطِئاً لوضعتهُ أرضاً ولمْ أستنكفِ
لا تنكروا شغفي بما يرضى وإنْ هوَ بالوصالِ عليَّ لمْ يتعطَّفِ
غَلَبَ الهوى ، فأطَعتُ أمرَ صَبابَتي منْ حيثُ فيهِ عصيتُ نهيَ معنِّفي
مني لَهُ ذُلّ الخَضوع، ومنهُ لي عزُّ المنوعِ وقوَّة ُ المستضعفِ
ألِفَ الصّدودَ، ولي فؤادٌ لم يَزلْ، مُذْ كُنْتُ، غيرَ وِدادِهِ لم يألَفِ
ياما أميلحَ كلَّ ما يرضى بهِ ورضابهُ ياما أحيلاهُ بفي
لوْ أسمعوا يعقوبَ ذكرَ ملاحة ٍ في وجههِ نسيَ الجمالَ اليوسفي
أوْ لوْ رآهُ عائداً أيُّوبُ في سِنَة ِ الكَرَى ، قِدماً، من البَلوَى شُفي
كلُّ البدورِ إذا تجلَّى مقبلاً ، تَصبُو إلَيهِ، وكُلُّ قَدٍّ أهيَفِ
إنْ قُلْتُ:عِندي فيكَ كل صَبابة ٍ؛ قالَ:المَلاحة ُ لي، وكُلُّ الحُسْنِ في
كَمَلتْ مَحاسِنُهُ، فلو أهدى السّنا للبدرِ عندَ تمامهِ لمْ يخسفِ
وعلى تَفَنُّنِ واصِفيهِ بِحُسْنِهِ، يَفْنى الزّمانُ، وفيهِ ما لم يُوصَفِ
ولقدْ صرفتُ لحبِّهِ كلِّي على يدِ حسنهِ فحمدتُ حسنَ تصرُّفي
فالعينُ تهوى صورة َ الحسنِ الَّتي روحي بها تصبو إلى معنى ًخفي
أسْعِدْ أُخَيَّ، وغنِّي بِحَديثِهِ، وانثُرْ على سَمْعي حِلاهُ، وشَنِّفِ
لأرى بعينِ السّمعِ شاهِدَ حسْنِهِ معنى ً فأتحفني بذاكَ وشرِّفِ
يا أختَ سعدٍ منْ حبيبي جئتني بِرسالَة ٍ أدّيْتِها بتَلَطّفِ
فسمعتُ مالمْ تسمعي ونظرتُ ما لمْ تنظري وعرفتُ مالمْ تعرفي إنْ زارَ، يوماً ياحَشايَ تَقَطَّعي، كَلَفاً بهِ، أو سارَ، يا عينُ اذرِفي
ما للنّوى ذّنْبٌ، ومَنْ أهوى مَعي، إنْ غابَ عنْ إنسانِ عيني فهوَ في

خمرية ابن الفارض

شَـرِبْنَا عـلى ذكْـرِ الحبيبِ مُدامَةً سـكِرْنَا
لـها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يُدِيرُهَا هـلالٌ وكـم يـبدو إذا مُزِجَتْ نَجم
ولـولا شـذَاها مـا اهتدَيتُ لِحانِها ولـولا سَـناها مـا تصَوّرها الوَهْمُ
ولـم يُـبْقِ منها الدّهْرُ غيرَ حُشاشَةٍ كـأنّ خَـفاها في صُدور النُّهى كتْم
فـإن ذُكـرَتْ في الحَيّ أصبحَ أهلُهُ نَـشاوى ولا عـارٌ عـليهمْ ولا إثم
ومِـنْ بـينِ أحشاء الدّنانِ تصاعدتْ ولـم يَـبْقَ منها في الحقيقة إلاّ اسمُ
وإن خَطَرَتْ يوماً على خاطرِ امرئِ أقـامتْ بـه الأفـراحُ وارتحلَ الهمّ
ولـو نَـظَرَ الـنُّدْمَانُ خَـتمَ إنائِها لأسـكَرَهُمْ مـن دونِـها ذلكَ الختم
ولـو نَـضحوا منها ثرَى قبرِ مَيّتٍ لـعادتْ اليه الرّوحُ وانتَعَشَ الجسم
ولـو طَرَحُوا في فَيءِ حائطِ كَرْمِها عـليلاً وقـد أشـفى لـفَارَقَهُ السّقم
ولـو قَـرّبُوا من حانِها مُقْعَداً مشَى وتـنطِقُ مـن ذِكْـرَى مذاقتِها البُكْم
ولـو عَبِقَتْ في الشرق أنفاسُ طِيبِها وفـي الـغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ
ولـو خُضِبت من كأسِها كفُّ لامسٍ لـمَا ضَـلّ فـي لَيْلٍ وفي يَدِهِ النجم
ولـو جُـليتْ سِـرّاً على أَكمَهٍ غَدا بَـصيراً ومن راووقِها تَسْمَعُ الصّم
ولـو أنّ رَكْـباً يَمّموا تُرْبَ أرْضِهَا وفـي الرّكبِ ملسوعٌ لمَا ضرّهُ السّمّ
ولو رَسَمَ الرّاقي حُرُوفَ اسمِها على جَـبينِ مُـصابٍ جُـنّ أبْرَأهُ الرسم
وفـوْقَ لِـواء الجيشِ لو رُقِمَ اسمُها لأسـكَرَ مَـنْ تحتَ اللّوا ذلك الرّقْم
تُـهَذّبُ أخـلاقَ الـنّدامى فـيّهْتَدي بـها لـطريقِ العزمِ مَن لا لهُ عَزْم
ويـكرُمُ مَـن لـم يَعْرِف الجودَ كَفُّه ويـحلُمُ عـند الـغيظ مَن لا لهُ حِلم
ولـو نـالَ فَـدْمُ الـقومِ لَثْمَ فِدَامِها لأكْـسـبَهُ مَـعنى شـمائِلها الـلّثْم
يـقولونَ لـي صِفْهَا فأنتَ بوَصفها خـبيرٌ أَجَـلْ عِندي بأوصافها عِلم
صـفاءٌ ولا مـاءٌ ولُـطْفٌ ولا هَواً ونـورٌ ولا نـارٌ وروحٌ ولا جِـسْمٌ
تَـقَـدّمَ كُــلَّ الـكائناتِ حـديثُها قـديماً ولا شـكلٌ هـناك ولا رَسم
وقـامت بـها الأشـياءُ ثَـمّ لحكمَةٍ بـها احتَجَبَتْ عن كلّ من لا له فَهْمُ
وهامتْ بها روحي بحيثُ تمازَجا اتّ تِـحـاداً ولا جِـرْمٌ تَـخَلّلَه جِـرْم
فَـخَـمْر ولا كـرْم وآدَمُ لـي أب وكَـرْم ولا خَـمْر ولـي أُمُّـها أُمّ
ولُـطْفُ الأوانـي في الحقيقة تابع لِـلُطْفِ الـمعاني والمَعاني بها تَنْمُو
وقـد وَقَـعَ الـتفريقُ والـكُلّ واحد فـأرواحُنا خَـمْرٌ وأشـباحُنا كَـرْم
ولا قـبلَها قـبل ولا بَـعْدَ بَـعْدَهَا وقَـبْليُّة الأبْـعادِ فـهْي لـها حَـتْم
وعَصْرُ المَدى من قَبله كان عصرَها وعـهْدُ أبـينا بَـعدَها ولـها الـيُتم
مـحاسِنُ تَـهدي المادِحينَ لوَصْفِهَا فَـيَحْسُنُ فـيها مـنهُمُ النّثرُ والنّظم
ويَـطْرَبُ مَـن لم يَدْرِهَا عند ذِكْرِهَا كَـمُشْتَاقِ نُـعْمٍ كـلّما ذُكـرَتْ نُعم
وقـالوا شَـرِبْتَ الإِثـمَ كـلاّ وإنّما شـرِبْتُ التي في تركِها عنديَ الإِثم
هـنيئاً لأهـلِ الدّيرِ كمْ سكِروا بها ومـا شـربوا مـنها ولـكِنّهم هَمّوا
وعـنديَ مـنها نَـشْوَةٌ قبلَ نشأتي مـعي أبـداً تـبقى وإنْ بَليَ العَظْم
عـليكَ بها صِرْفاً وإن شئتَ مَزْجَها فَـعَدْلُكَ عـن ظَلْم الحبيب هو الظُّلم
فَـدُونَكَهَا فـي الـحانِ واستَجْلها به عـلى نَـغَمِ الألـحان فهيَ بها غُنْمُ
فـما سـكنَتْ والـهمَّ يوماً بموضع كـذلك لـم يـسكُنْ مـع النَّغَم الغَم
وفـي سـكرةٍ منها ولَوْ عُمْرَ ساعةٍ تَـرَى الدَّهْرَ عبداً طائعاً ولك الحُكْم
فلا عَيْشَ في الدُّنْيا لمَن عاشَ صاحياً ومَـن لم يَمُتْ سُكْراً بها فاته الحزم
عـلى نـفسه فليَبْكِ مَن ضاع عُمْرُهُ ولـيسَ لـهُ فـيها نَصيبٌ ولا سهمُ

المصادر