يحيى بن شرف النووي
يحيى بن شرف النووي |
---|
الإمام الحافظ محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مـرِّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي الشافعي الدمشقي المشهور بـ "النووي" (المحرم 631 - 676 هـ \ 1255 - 1300م), أحد أشهر فقهاء السنة ومحدّثيهم وعليه اعتمد الشافعية في ضبط مذهبهم بالإضافة إلى الرافعي [1].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مولده ونشأته
هو أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرّي بن حسن بن حسين بن مُحمد بن جمعة بن حزام الحزامي الحوراني النووي الدمشقي الشافعي. ونوى من أرض حوران من أعمال دمشق , وكان جده الأعلى حِزام نزلها على عادة العرب فأقام بها ورزقه الله تعالى ذرية كثيرة. ولد في محرم عام (631 هـ) في نوى وتولى والده الصالح رعايته وتأديبه، ونشأه تنشئة طيبة، فحضه منذ الصغر على طلب العلم لما لاحظ فيه من مخايل النجابة والذكاء والاستعداد الفطري.
قال الشيخ ياسين المراكشي : رأيت الشيخ وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم , يهرب منهم ويبكي لإكراههم ويقرأ القرآن في تلك الحال , فوقع في قلبي محبته وكان قد جعله أبوه في دكان فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن , فأتيت معلمه فوصيته به وقلت له : إنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم , وينتفع الناس به فقال لي : أمنجم أنت ؟! فقلت : لا وإنما أنطقني الله بذلك فذكر ذلك لوالده فحرص عليه على أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم .
ولما كانت بيئته في نوى لا تشبع نهمه العلمي فقد قدم به والده إلى دمشق سنة ( 649 هـ ) وكان عمره تسع عشرة سنة . وكانت دمشق إذ ذاك موئل العلماء ومنهل الفضلاء ومهوى أفئدة طلاب العلم وكان فيها من المدارس التي يدرس فيها مختلف أنواع العلم ما يزيد على ثلاثمائة مدرسة , ومنذ أن حط رحله فيها التقى بالشيخ عبد الكافي بن عبد الملك الربعي ( المتوفى سنة 689 هـ) وأطلعه على دخيلة نفسه وما ينتويه من طلب العلم فأخذه وتوجه به إلى حلقة العالم الجليل الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم بن الفركاح ( المتوفى سنة 690 هـ ) فقرأ عليه دروسا وبقي ملازمه مدة , ثم إنه التمس من شيخه هذا مكانا يأوي إليه ويسكن فيه فدله على شيخ المدرسة الرواحية الإمام الفقيه كمال الدين إسحاق بن احمد بن عثمان المغربي , فتوجه إليه ولازمه و أخذ عنه وسكن المدرسة الرواحية. ( كانت هذه المدرسة لصيقة الجامع الأموي من جهة بابه الشرقي وبانيها هو زكي الدين أبو القاسم التاجر المعروف بابن رواحه ) وقد ذكر المؤلف رحمه الله أنه بقي نحو سنتين لا يضع جنبه على الأرض , ويتبلغ بشيء من القوت يسير , وحفظ التنبيه في نحو أربعة أشهر ونصف ثم حفظ ربع العبادات من المهذب في باقي السنة وهو يشرح ويصحح على شيخه الكمال المغربي , وقد أعجب به شيخه أيما إعجاب لما رأى من دأبه وحرصه وانصرافه إلى طلب العلم فأحبه محبة شديدة وجعله معيد الدرس في حلقته لأكثر الجماعة .
صفته
قال الذهبي :" كان أسمر ، كث اللحية ، ربعة ، مهيبا ، قليل الضحك ، عديم اللعب ، بل جد صرف يقول الحق وإن كان مرا ، لا يخاف في الله لومة لائم. لحيته سوداء فيها شعرات بيض وعليه هيئة وسكينة. وأما لباسه فقال الذهبي في تاريخ الإسلام : وكان في ملبسه مثل أحاد الفقهاء من الحوارنة ، لا يؤمه له ، عليه شبختانية صغيرة. وقال في التذكرة : وكان يلبس الثياب الرثة ولا يدخل الحمام وكانت أمه ترسل له القميص ونحوه ليلبسه.
شيوخه
أما شيوخه اللذين تلقى عليم وسمع منهم خلال إقامته في دمشق كانوا أكثر من عشرين عالما من خيرة علماء عصرهم وممن برعوا في مختلف العلوم وأصناف المعار ف كالفقه والحديث وعلم الأصول وعلم العربية وغير ذلك من الاختصاصات قارنين إلى ذلك سيرة حميدة وأخلاق نبيلة كان لها أوضح الأثر يمن اخذ عنهم . ومنهم :
في الفقه
- تاج الدين الفزاري المعروف بالفِرْكاح
- أبو حفص عمر بن اسعد بن أبي غالب الربعي الإربلي , ( معيد الباذرائية ).
- أبو الحسن سلام بن الحسن الإربلي ثم الحلبي ثم الدمشقي .
في الحديث
- زين الدين أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعد
- الرضى بن البرهان
- أبو محمد عبد العزيز بن أبي عبد الله بن عبد المحسن الأنصاري .
- أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي الشافعي .
- أبو إسحاق إبراهيم بن أبي حفص عمر بن مضر الواسطي ( سمع منه صحيح مسلم ) .
في علم الأصول
- العلّامة القاضي أبو الفتح عمر بن بندار بن عمر بن علي التفليسي الشافعي .
في النحو واللغة
- الشيخ أبو العباس احمد بن سالم المصري النحوي اللغوي .
- العلّامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الجيّاني .
- الفخر المالكي
- أبو إبراهيم إسحاق بن احمد بن عثمان المغربي .
- عبد الرحمن بن احمد بن محمد بن قدامه المقدسي الحنبلي .
- أبو محمد عبد الرحمن بن نوح المقدسي ثم الدمشقي ( ولي المدرسة الرواحية )
- أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعد النابلسي ( شيخ دار الحديث النورية في دمشق ) .
- الأمام المحدث الكبير الضياء بن تمام الحنفي ( لازمه في سماع الحديث وما يتعلق به ) .
- أبو العباس احمد بن عبد الدائم المقدسي .
- أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر محمد بن احمد بن قدامه المقدسي .
- أبو محمد عبد الرحمن بن سالم أبو يحيى الأنباري .
- أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم ابن أبي اليسر التنوخي .
- الإمام العلّامة أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي .
- عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الحسن البادراني البغدادي ثم الدمشقي .
- القاضي عماد الدين أبي الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد الحرستاني .
- الفضل محمد بن محمد بن محمد الفكري الحافظ .
- أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح الحراني الصيرفي .
تلامذته
- علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود الدمشقي المعرف بأبن العطار , الذي كان لشدة ملازمته له وتحققه به يقال له " مختصر النووي ".
- الشهاب محمد بن عبد الخالق بن عثمان بن مزهر الأنصاري الدمشقي المقري .
- الفقيه المقري أبو العباس أحمد الضرير الواسطي الملقب بالجلال .
- أبو العباس أحمد ابن إبراهيم بن مصعب .
- الشمس محمد بن أبي بار بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن النقيب .
- البدر محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة .
- أبو العباس أحمد بن فَرْح الإِشبيلي .
سماعاته
كانت مسموعاته على المشايخ كتب السنة التالية :
- الجامع الصحيح للبخاري
- صحيح مسلم
- سنن أبي داود
- جامع الترمذي
- سنن ابن ماجه
- سنن النسائي
- موطأ مالك
- مسند الشافعي
- مسند أحمد
- مسند الدارمي
- مسند أبي يعلى
- صحيح أبي عوانة
- سنن البيهقي
- شرح السنة للبغوي
- عمل اليوم والليلة لابن السني
- الجامع لآداب الراوي
- السامع للخطيب البغدادي
- الأنساب للزبير بن بكار
وأجزاء كثيرة غيرها .
المدارس التي درس فيها
ولي رحمه الله مشيخة دار الحديث الأشرفية بعد الإمام أبي شامة سنة 665 هـ إلى أن مات وهي في دمشق جوار باب القلعة الشرقي غربي العصرونية. بناها الملك الأشرف من ملوك الدولة الأيوبية ( 579 – 635 هـ ) وقد نشر بها علما جما وأفاد الطلبة وحدّث بالصحيحين سماعا وبحثا وبقطعة من سنن أبي داود صفوة التصوف والحجة على تارك المحجة وشرح معاني الآثار للطحاوي وكان ينوب في المدرسة الركنية التي بناها ركن الدين منكورس عن القاضي شمس الدين بن خلكان مؤلف وفيات الأعيان، وقال القطب اليونيني إن الشيخ باشر الإقبالية والفلكية.
مؤلفاته
في علم الحديث
- شرح مسلم (بالمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)
- رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين .
- الأربعون النووية .
- خلاصة الأحكام من مهمات السنن وقواعد الإسلام .
- شرح البخاري ـ كتب منه جزءا يسيرا ولم يستكمله .
- الأذكار المسمى بـ " حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار "
- الإرشاد والتقريب والإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات .
- التقريب والتيسير لمعرفه سنن البشير النذير .
في الفقه
- روضة الطالبين وعمده المفتين ـ المجموع شرح المهذب ولم يستكمله، وقد أكمله السبكي والمطيعي ، والمنهاج والإيضاح والتحقيق
التربية والسلوك
- التبيان في أداب حملة القرآن
- بستان العارفين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التراجم والسير
- تهذيب الأسماء واللغات
- طبقات الفقهاء
اللغة
- القسم الثاني من تهذيب الأسماء واللغات
- تحرير التنبيه
صفاته العلمية والخلقية
لم يكد الإمام النووي يستقر في المدرسة الرواحية حتى أقبل على طلب العلم بنهم وشغف وجدّ واستعداد، وهمة لا تعرف الكلل والملل فكان يقرأ كل يوم أحد عشر درساً على العلماء شرحاً وتصحيحاً : درسين في الوسيط للغزالي وثالثاً في المهذب للشيرازي ودرساً في الجمع بين الصحيحين للحميدي وخامساً في صحيح مسلم ودرساً في إصلاح المنطق لابن السكيت ودرساً في اللمع لابن جني ودرساً في أصول الفقه في اللمع للشيرازي والمنتخب للفخر الرازي ودرساً في أسماء الرجال ودرساً في أصول الدين وكان يعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة.
وما كان ينام من الليل إلا أقله وإذا غلبه النوم استند إلى الكتب لحظه ثم انتبه , قال الذهبي : ويضرب به المثل في إكبابه على طلب العلم ليلاً ونهاراً وهجره النوم إلا عن غلبه وضبط أوقاته بلزوم الدرس أو الكتابة أو المطالعة أو التردد على الشيوخ , حتى أنه إذا مشى بالطريق كان يشتغل في تكرار ما يحفظ أو يطالع ما يحتاج إلى مطالعة , واستمر على ذلك ست سنين . وكان رحمه الله قوي المدرك حاضر البديهة تنثال عليه المعاني انثيالاً في وقت الحاجة إليها وكان عميق الفكرة بعيد الغوص لا يكتفي بدراسة ظواهر الأمور بل يذهب إلى أعماق أغوارها وكان بعيد المدى في الفهم لا يقف عند حد حتى يصل إلى الحق كاملاً فيما يراه وكان يتمتع بحافظة قوية مستوعبة جعلته يستولي على أبواب العلم استيلاء فإن الحافظة القوية تمكن العالم من السيطرة الفكرية على ما يقرأ بحيث يربط أقصاه بأدناه وأوله بآخره وأجزاءه بعضها ببعض وقد كان رحمه الله تتمثل فيه الآداب ذكرها في كتابه المجموع لمن ينصب نفسه للتعليم .
تلك أهم خصائصه العلمية.
أخلاقه
أما الجانب الخلقي من شخصيته فقد كان رحمه الله على جانب عظيم من التقوى والإنابة فهو كما سبق أن ذكرنا منذ نعومة أضفاره كان يستشعر خشية الله فينفر عن اللهو وينصرف عن اللغو ويملأ فراغه بقراءة القرآن والأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله وقد بلغ من الورع والزهد شأواً بعيداً. فال الذهبي: كان عديم الميره والرفاهية والتنعم مع التقوى والقناعة والورع والمراقبة لله تعالى في السر والعلانية وترك رعونات النفس من ثياب حسنه ومأكل طيب وتجمل في هيئته بل طعامه جلف الخبز بأيسر إدام ولباسه ثوب خام وسختيانة لطيفة.
قال علاء الدين العطار: إنه كان لا يأكل من فاكهة دمشق فسألته عن ذلك فقال: إنها كثيرة الأوقاف والأملاك لمن تحت الحجر شرعاً ولا يجوز التصرف في ذلك إلا على وجه الغبطة والمصلحة والمعاملة فيها على وجه المساقاة وفيها اختلاف بين العلماء ومن جوزها قال بشرط المصلحة والغبطة ليتيم ولمحجور عليه والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك فكيف تطيب نفسي؟!. وهناك الكثير من ثناء العلماء عليه , وقد لخصه المحدث أبو العباس بن فرح في قوله كان الشيخ محيي الدين قد صار إليه ثلاث مراتب كل مرتبه منها لو كانت لشخص شدت أليه آباط الإبل من أقطار الأرض .
- المرتبة الأولى : العلم والقيام بوظائفه .
- المرتبة الثانية : الزهد في الدنيا وجميع أنواعها .
- المرتبة الثالثة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفاته
في سنة ست وسبعين وستمائة (676 هـ) قفل راجعاً إلى نوى بعد أن أقام في دمشق نحواً من ثمانية وعشرين عاماً وبعد أن رد الكتب المستعارة من الأوقاف وزار مقبرة شيوخه فقرأ ودعا وبكى وزار أصحابه الأحياء وودعهم فمرض بنوى وتوفي رحمه الله ليلة الأربعاء في الرابع والعشرين من رجب ودُفن بها . ولما بلغ نعيه إلى دمشق ارتجت هي ومن حولها بالبكاء وتأسف عليه المسلمون أسفاً شديداً . ورثاه جماعة يبلغون عشرين نفساً بأكثر من ستمائة بيت رحمة الله. منهم محمد بن أحمد بن عمر الحنفي الإِربلي، وهذه الأبيات من قصيدة بلغت ثلاثة وثلاثين بيتاً:
عزَّ العزاءُ وعمَّ الحادث الجلل | وخاب بالموت في تعميرك الأمل | |
واستوحشت بعدما كنت الأنيس لها | وساءَها فقدك الأسحارُ والأصلُ | |
وكنت للدين نوراً يُستضاء به | مسدَّد منك فيه القولُ والعملُ | |
زهدتَ في هذه الدنيا وزخرفها | عزماً وحزماً ومضروب بك المثل | |
أعرضت عنها احتقاراً غير محتفل | وأنت بالسعي في أخراك محتفل |
مصادر
الإمام النووي - جمع وترتيب أحمد فريد