ولد حافظ إبراهيم على متن سفينة كانت راسية على النيل أمام ديروط وهي مدينة بمحافظة أسيوط من أب مصري وأم تركية. الأب كان مهندس الري إبراهيم فهمي أحد المشرفين على قناطر ديروط – محافظة أسيوط. وأم حافظ من أسرة كريمة هي ابنة خالة أم مصطفى كامل. وُلد حافظ في "ذهبية" راسية على شاطئ النيل عام 1872م. وهذا التاريخ غير معروف بالضبط من واقع شهادة الميلاد والأوراق الرسمية. والذي حدث في شهر يناير من عام 1911 ، عندما أريد تعيين "حافظ إبراهيم في دار الكتب قدر القومسيون الطبي عمره تسعة وثلاثين عماما وتأسس على هذا أنه ولد في فبراير 1872.
وعاش "حافظ" في كنف أبيه أربع سنوات مات بعدها الوالد فعادت به أمه من ديروط إلى بيت أسرتها في القاهرة. وتولى خاله "محمد نيازي" الذي كان مهندسا بمصلحة التنظيم أمره. وتوفيت والدته عام 1908م. وعندما نقل خاله إلى عمل بطنطا ذهب معه حافظ والتحق بالجامع الأحمدي وهناك أخذ حافظ يدرس في الكتاتيب. أحس حافظ إبراهيم بضيق خاله به مما أثر في نفسه، فرحل عنه وترك له رسالة كتب فيها:
ثقلت عليك مؤونتي
إني أراها واهية
فافرح فإني ذاهب
متوجه في داهية
بعد أن خرج حافظ إبراهيم من عند خاله هام على وجهه في طرقات مدنية طنطا حتى انتهى به الأمر إلى مكتب المحاممحمد أبو شادي، أحد زعماء ثورة 1919، وهناك اطلع على كتب الأدب وأعجب بالشاعر محمود سامي البارودي. وبعد أن عمل بالمحاماة لفترة من الزمن، التحق حافظ إبراهيم بالمدرسة الحربية في عام 1888 م وتخرج منها في عام 1891 م ضابط برتبة ملازم ثان في الجيش المصري وعين في وزارة الداخلية. وفي عام 1896 م أرسل إلى السودان مع الحملة المصرية إلى أن الحياة لم تطب له هنالك، فثار مع بعض الضباط. نتيجة لذلك، أحيل حافظ على الاستيداع بمرتب ضئيل.
وعام 1911م ، عين رئيسا للقسم الأدبي في دار الكتب ووصل إلى منصب "وكيل دار الكتب" أي الرجل الثاني. وحصل على البكوية عام 1912. وأطلق عليه لقب "شاعر النيل" وعمل فترة في المحاماة. وكان يلم بالفرنسية وترجم "البؤساء" لفيكتور هيجو ، وإشترك مع "خليل مطران" في ترجمة كتاب "موجز الإقتصاد" ، وعندما عمل الشرطة كان ملاحظا لمركز بني سويف ولمركز الإبراهيمية.
شخصيته
كان حافظ إبراهيم أحدى أعاجيب زمانه، ليس فقط في جزالة شعره بل في قوة ذاكرته التى قاومت السنين ولم يصيبها الوهن والضعف على مر 60 سنة هى عمر حافظ إبراهيم، فإنها ولا عجب إتسعت لآلاف الآلاف من القصائد العربية القديمة والحديثة ومئات المطالعات والكتب وكان بإستطاعته – بشهادة أصدقائه – أن يقرأ كتاب أو ديوان شعر كامل في عده دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا الكتاب أو أبيات ذاك الديوان. وروى عنه بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن في بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم او طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالروايه التى سمع القارئ يقرأ بها.
يعتبر شعره سجل الأحداث، إنما يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة، سواء أضحك في شعره أم بكى وأمل أم يئس، فقد كان يتربص كل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره.
وللأسف, مع تلك الهبة الرائعة التى قلما يهبها الله – عز وجل – لإنسان ، فأن حافظ رحمه الله أصابه - ومن فترة امتدت من 1911 إلى 1932 – داء اللامباله والكسل وعدم العناية بتنميه مخزونه الفكرى وبالرغم من إنه كان رئيساً للقسم الأدبى بدار الكتب إلا أنه لم يقرأ في هذه الفترة كتاباً واحداً من آلاف الكتب التى تذخر بها دار المعارف! الذى كان الوصول إليها يسير بالنسبه لحافظ، ولا أدرى حقيقة سبب ذلك ولكن أحدى الآراء تقول ان هذه الكتب المترامية الأطراف القت في سأم حافظ الملل! ومنهم من قال بأن نظر حافظ بدا بالذبول خلال فترة رئاسته لدار الكتب وخاف من المصير الذى لحق بالبارودى في أواخر أيامه.
كان حافظ إبراهيم رجل مرح وأبن نكتة وسريع البديهة يملأ المجلس ببشاشته و فكاهاته الطريفة التى لا تخطأ مرماها.
وأيضاً تروى عن حافظ أبراهيم مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد للمال فكما قال العقاد ( مرتب سنة في يد حافظ إبراهيم يساوى مرتب شهر ) ومما يروى عن غرائب تبذيره أنه استأجر قطار كامل ليوصله بمفرده إلى حلوان حيث يسكن وذلك بعد مواعيد العمل الرسمية.
مثلما يختلف الشعراء في طريقة توصيل الفكرة أو الموضوع إلى المستمعين أو القراء، كان لحافظ إبراهيم طريقته الخاصة فهو لم يكن يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه أستعاض عن ذلك بجزالة الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة بالأضافة أن الجميع اتفقوا على انه كان أحسن خلق الله إنشاداً للشعر. ومن أروع المناسبات التى أنشد حافظ بك فيها شعره بكفاءة هى حفلة تكريم أحمد شوقى ومبايعته أميراً للشعر في دار الأوبرا، وأيضاً القصيدة التى أنشدها ونظمها في الذكرى السنوية لرحيل مصطفى كامل التى خلبت الألباب وساعدها على ذلك الأداء المسرحى الذى قام به حافظ للتأثير في بعض الأبيات، ومما يبرهن ذلك ذلك المقال الذى نشرته أحدى الجرائد والذى تناول بكامله فن إنشاد الشعر عند حافظ. ومن الجدير بالذكر أن أحمد شوقى لم يلقى في حياته قصيدة على ملأ من الناس حيث كان الموقف يرهبه فيتلعثم عند الإلقاء.
وقد تزوج حافظ بعد عودته من السودان من إحدى قريبات زوجة خاله. ولكنها لم تطق طبيعة حافظ المنطلقة قيود الزوجية ، وإنتهى الأمر بالفرقة بين الزوجين بعد بضعة أشهر ، ولم يعد بعد هذه التجربة إلى الزواج أو التفكير فيه.
أقوال عن حافظ إبراهيم
حافظ كما يقول عنه مطران خليل مطران "أشبه بالوعاء يتلقى الوحى من شعور الأمة وأحاسيسها ومؤثراتها في نفسه, فيمتزج ذلك كله بشعوره و إحساسه، فيأتى منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذى يحس كل مواطن أنه صدى لما في نفسه". ويقول عنه أيضاً "حافظ المحفوظ من أفصح أساليب العرب ينسج على منوالها ويتذوق نفائس مفرادتها وإعلاق حلالها." وأيضاً "يقع إليه ديوان فيتصفحه كله وحينما يظفر بجيده يستظهره، وكانت محفوظاته تعد بالألوف وكانت لا تزال ماثلة في ذهنه على كبر السن وطول العهد، بحيث لا يمترى إنسان في ان هذا الرجل كان من أعاجيب الزمان".
وقال عنه العقاد "مفطوراً بطبعه على إيثار الجزالة و الإعجاب بالصياغة والفحولة في العبارة."
كان أحمد شوقى يعتز بصداقه حافظ إبراهيم ويفضله على أصدقائه. و كان حافظ إبراهيم يرافقه في عديد من رحلاته وكان لشوقى أيادى بيضاء على حافظ فساهم في منحه لقب بك و حاول ان يوظفه في جريدة الأهرام ولكن فشلت هذه المحاولة لميول صاحب الأهرام - وكان حينذاك من لبنان - نحو الإنجليز وخشيته من المبعوث البريطانى اللورد كرومر.
"ديوان حافظ" لقد ظل حبيس الأدراج حتى جاء "علي زكي العرابي" وزيرا للمعارف في وزارة "مصطفى النحاس" الثالثة – 9 مايو عام 1936- 31 يوليو عام 1937 – وأصدر قرار بتشكيل لجنة من "أحمد أمينوأحمد الزينوإبراهيم الإبياري" ويرأسها "أحمد أمين" عميد كلية الآداب جامعة فؤاد الأول وقتذاك. وعد الوزير إلى اللجنة بجمع قصائد "حافظ إباهيم" وشرحها وإعداد الديوان لتقوم وزارة المعارف بطباعته على نفقتها. وكتب مقدمة الطبعة الأولى "أحمد أمين" ، ونشرت الديوان "دار الكتب" التي كانت تابعة وقتذاك لوزارة المعارف ، وكان ذلك عام 1937. وصدرت الطبعة الثانية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1980م.
كان من ميزات حافظ أنه يحسن إلقاء الشعر ، ويتولى إلقاء شعره بنفسه، على عكس منافسه أحمد شوقي الذي كان يوكل إلقاء شعره إلى علي الجارم في الأغلب والأعم وإلى توفيق دياب أحيانا .
لاحظ الشاعر مدى ظلم المستعمر وتصرفه بخيرات بلاده فنظم قصيدة بعنوان الامتيازات الأجنبية، ومما جاء فيها:
سكتُّ فأصغروا أدبي
وقلت فاكبروا أربي
يقتلنا بلا قود
ولا دية ولا رهب
ويمشي نحو رايته
فنحميه من العطب
فقل للفاخرين: أما
لهذا الفخر من سبب؟
أروني بينكم رجلا
ركينا واضح الحسب
أروني نصف مخترع
أروني ربع محتسب؟
أروني ناديا حفلا
بأهل الفضل والأدب؟
وماذا في مدارسكم
من التعليم والكتب؟
وماذا في مساجدكم
من التبيان والخطب؟
وماذا في صحائفكم
سوى التمويه والكذب؟
حصائد ألسن جرّت
إلى الويلات والحرب
فهبوا من مراقدكم
فإن الوقت من ذهب
وله قصيدة عن لسان صديقه يرثي ولده، وقد جاء في مطلع قصيدته:
ولدي، قد طال سهدي ونحيبي
جئت أدعوك فهل أنت مجيبي؟
جئت أروي بدموعي مضجعا
فيه أودعت من الدنيا نصيبي
ويجيش حافظ إذ يحسب عهد الجاهلية أرفق حيث استخدم العلم للشر، وهنا يصور موقفه كإنسان بهذين البيتين ويقول:
ولقد حسبت العلم فينا نعمة
تأسو الضعيف ورحمة تتدفق
فإذا بنعمته بلاء مرهق
وإذا برحمته قضاء مطبق
ومن شعره أيضاً:
كم مر بي فيك عيش لست أذكره
ومر بي فيك عيش لست أنساه
ودعت فيك بقايا ما علقت به
من الشباب وما ودعت ذكراه
أهفو إليه على ما أقرحت كبدي
من التباريج أولاه وأخراه
لبسته ودموع العين طيعة
والنفس جياشة والقلب أواه
فكان عوني على وجد أكابده
ومر عيش على العلات ألقاه
إن خان ودي صديق كنت أصحبه
أو خان عهدي حبيب كنت أهواه
قد أرخص الدمع ينبوع الغناء به
وا لهفتي ونضوب الشيب أغلاه
كم روح الدمع عن قلبي وكم غسلت
منه السوابق حزنا في حناياه
قالوا تحررت من قيد الملاح فعش
حرا ففي الأسر ذلّ كنت تأباه
فقلت يا ليته دامت صرامته
ما كان أرفقه عندي وأحناه
بدلت منه بقيد لست أفلته
وكيف أفلت قيدا صاغه الله
أسرى الصبابة أحياء وإن جهدوا
أما المشيب ففي الأموات أسراه
وقال:
والمال إن لم تدخره محصنا
بالعلم كان نهاية الإملاق
والعلم إن لم تكتنفه شمائل
تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده
ما لم يتوج ربه بخلاق
من لي بتربية النساء فإنها
في الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا
بالسري أورق أيما إيراق
اللأم أستاذ الأساتذة الألى
شغلت مآثرهم مدى الآفاق
أنا لا أقول دعوا النساء سوافرا
بين الرجال يجلن في الأسواق
يدرجن حيث أرَدن لا من وازع
يحذرن رقبته ولا من واقي
يفعلن أفعال الرجال لواهيا
عن واجبات نواعس الأحداق
في دورهن شؤونهن كثيرة
كشؤون رب السيف والمزراق
تتشكّل الأزمان في أدوارها
دولا وهن على الجمود بواقي
فتوسطوا في الحالتيسن وأنصفوا
فالشر في التّقييد والإطلاق
ربوا البنات على الفضيلة إنها
في الموقفين لهن خير وثاق
وعليكم أن تستبين بناتكم
نور الهدى وعلى الحياء الباقي
وفاته
توفي حافظ إبراهيم 21 يونيو1932 م في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس، وكان قد أستدعى 2 من أصحابه لتناول العشاء ولم يشاركهما لمرض أحس به. وبعد مغادرتهما شعر بوطئ المرض فنادى غلامه الذى أسرع لإستدعاء الطبيب وعندما عاد كان حافظ في النزع الاخير، توفى رحمه الله ودفن في مقابر السيدة نفيسة (رضي الله عنها).
وعندما توفى حافظ كان أحمد شوقى يصطاف في الإسكندرية و بعدما بلّغه سكرتيره – أى سكرتير شوقى - بنبأ وفاة حافظ بعد ثلاث أيام لرغبة سكرتيره في إبعاد الأخبار السيئة عن شوقي ولعلمه بمدى قرب مكانة حافظ منه، شرد شوقي لحظات ثم رفع رأسه وقال أول بيت من مرثيته لحافظ:
قد كنت أوثر أن تقول رثائي
يا منصف الموتى من الأحياء
ولما توفي حافظ جمع الأديب الدمشقي السيد أحمد عبيد طائفة من شعره لم تنشر في ديوانه ونشرها بدمشق. أما الطبعة الثانية التي صدرت عن "هيئة الكتاب" عام 1980 ، فقد تولى أحد أقرباء حافظ متابعتها بحرص ومتابعة وهو "محمد إسماعيل كاني".