ثورة القاهرة الثانية
ثورة القاهرة الثانية ، 21 أبريل 1800 (= 16 ذي القعدة 1214 هـ) - استسلام الثائرين من أهالي مصر في ثورة القاهرة الثانية، بعد أن سلط عليهم الجنرال كليبر مدافعه وأحرق أحياء القاهرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثورة القاهرة الثانية
وبينما كان القتال دائرا بين العثمانين والفرنسين تسلل فريق من جيش الصدر الاعظم وبعض عناصر المماليك إلى داخل القاهرة وأثاروا أهلها فكانت ثوره القاهرة الثانيه التي استمرت شهر تقريبا (23شوال _ 25 ذو القعده/ 30 مارس _ 20 أبريل 1800) إذ لم يدرك القاهريون حقيقهة الأمر عندما استيقظوا على صوت المدافع الدائرة "ماجوا ورمحوا إلى أطراف البلد وقتلوا من صادفوا من الفرنسين ".
ولعب اعيان القاهرة وتجارها وكبار مشايخها دور كبير بخلاف ما حدث في الثورة الأولى، فلم يحجموا عن تزعم الثورة منذ الساعات الأولى، وجادوا بأموالهم لاعداد الماكل والمشارب فقد خرج السيد (عمر أفندى)نقيب الأشراف ن والسيد (أحمد المحروقى) شاخ بندر التجار على رأس جمع كبير من عامة أهل القاهرة، وأتراك خان الخليلى والمقاربة المقيمين بمصر وبعض المماليك قاصدين التلال الواقعة خارج باب النصر ،"وبأيدى الكثير منهم النبابيت والعصى والقليل معهم السلاح " واحتشد جمع اخر وصاروا يطوقون بالأزقه والحارات وهم يرددون الهتافات العدائيه ضد الفرنسين ،ثم اشتبك الثوار مع طوائف الأقليات في معارك راح ضحيتها عديدون من نصارى القبط والشوام وغيرهم، وتحصن الفرنسيون بمعسكرهم بالأزبكية.
وأحضر الثوار ثلاثه مدافع كان الأتراك قد جاءوا بها إلى المطريه، وجلبوا عدة مدافع أخرى وجدت مدفونه في بيوت الأمراء، وأحضروا من حوانيت العطارين من المثقلات التي يزنون بها البضائع من حديد وأحجار استعملوها عوضا عن الجلل للمدافع "لضرب مقر القيادة الفرنسية بالأزبكيه كما أنشأوا مصنعا للبارود بالخرنفش، واتخذوا بيت القاضى وما جاروخ من أماكن "من جهة المشهد الحسينى " مقرا لصناعة وأصلاح المدافع والقذائف " وعمل العجل والعربات والجلل " وأقاموا معسكر للأسرى بالجمالية، وبثوا العيون والأرصاد للتجسس على المحتلين واستكشاف خططهم ونوايهم ولم يتوانوا عن أخذ كل من تعاون مع الفرنسين من الخونة بالشدة والعنف.
وسرعان ما انتقل لهيب الثورة إلى بولاق فقام (الحاج مصطفى البشتيلى) ومن معه بتهيج العامة ،وانقضوا بعصيهم وأسلحتهم ورماحهم على معسكر الفرنسين، وقتلوا حراسة " ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره، ورجعوا منها، وعملوا كرانك (*) حوالى البلد ومتاريس، واستعدوا للحرب والجهاد ".
وكافح القاهريون بكل ما في وسعهم من جهد ،ووصل المجاهدون الليل بالنهار في قتال عنيف شارك فيه الجميع بحيث "لم ينم سوى الضعيف والجبان والخائف" كما يقول الجبرتي، وقد راحوا يصلون العدو نارا حاميه من بنادقهم، في حيت كان هناك من عدهم خلف المتاريس بما يحتاجون مؤن. كذلك "باشر السيد (أحمد المحروقى) وباقى التجار ومساتير الناس الكلف والنفقات والمشارب " وأتى أهل الأياف القريبة بالميره والحتياجات من السمن والجبن واللبن والغلة والغنم فيبقونه ،ثم يرجعون إلى بلادهم.
وعندما عاد (كليبر) إلى القاهرة بعد ثمانية أيام من اشعال الثورة وجدها قد تحولت إلى ثكنه عسكرية، فأمر بتشديد الحصار عليها ومنع المؤن المجاهدين، ولم ييئس كليبر فلجأ إلى الاتصال بمراد بك أحد زعماء المماليك، وتفاوض الاثنان على الصلح، وأبرمت بينهما معاهدة بمقتضاها أصبح مراد بك حاكمًا على الصعيد في مقابل أن يدفع مبلغًا إلى الحكومة الفرنسية، وينتفع هو بدخل هذه الأقاليم، وتعهد كليبر بحمايته إذا تعرض لهجوم أعدائه عليه، وتعهد مراد بك من جانبه بتقديم النجدات اللازمة لمعاونة القوات الفرنسية إذا تعرضت لهجوم عدائي أيًا كان نوعه، وكان هذا يعني أن مراد فضل السيادة الفرنساوية على السيادة العثمانية.
ولم يكتف مراد بك بمحاولته في إقناع زعماء الثورة بالسكينة والهدوء، بل قدم للفرنسيين المؤن والذخائر، وسلمهم العثمانيين اللاجئين له، وأرسل لهم سفنًا محملة بالحطب والمواد الملتهبة لإحداث الحرائق بالقاهرة. وما كاد ينجح في ذلك حتى دك القاهرة بالمدافع، وشدد الضرب على حى بولاق، فاندلعت ألسنة النيران فيه، والتهمن الحرائق عددا من المبانى والقصور في الأزبكية وبركة الرطلى، ومع ذلك فقد ظلت الروح المعنويه للشعب قوية ،وخرج المشايخ والفقهاء والتجار يدعون الناس للقتال، ويحرضونهم على الجهاد.
وقد تغلبت القوة الغاشمه أخيرا بسبب التفوق العسكري الواضح والوحشية وقسوة الانتقام من أهالى الأحياء التي دخلوها :- فقد ذكر الجبرتى أن الفرنسين فعلوا بأهل بولاق " ما يشيب من هوله النواصى "فنزلوا بهم ذبحا وتقتيلا حتى صارت الطرقات والأزقة مكتظة بجثث القتلى ،واشعلوا النيران في الأبنية والدور والقصور، ونهبوا " الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع، وملكوا الدور وبابها من الأمتعة والأموال والنساء والخوندات والصبيان والبنات ومخازن الغلال والسكر والكتان والقطن والأباريز والأرز والأدهان والأصناف العطرية، ومالا تسعه السطور، ولا يحيط به كتاب ولا منشور".
تحرك علماء الأزهر واستأنفوا مساعيهم لحقن الدماء، ووقف عمليات الإحراق والتدمير، ودارت مفاوضات التسليم بين الثوار وكليبر انتهت بعقد اتفاق في (26 من ذي القعدة 1214هـ=21 من إبريل 1800م)، وقع عليه ناصف باشا من الأتراك العثمانيين، وعثمان أفندي عن مراد بك، وإبراهيم بك عن المماليك، وفيه تعهد العثمانيون والمماليك بالجلاء عن القاهرة خلال ثلاثة أيام مع أسلحتهم وأمتعتهم ما عدا مدافعهم إلى حدود سوريا، في مقابل أن يعفو كليبر عن سكان القاهرة بمن فيهم الذين اشتركوا في الثورة.
تولى المشايخ الوساطه، وأخذوا من كليبر عفوا وأمانا شامل، ولكن ما لبث أن تنكر للقاهريين بعد اخماد الثورة وكان اقتصاصه رهيبا، ففرض غرمات فادحة على عدد من العلماء والأعيان، وصادرا أملاك السيد أحمد المحروقي، وأعدم الحاج مصطفى البشتيلي، وسجن السادات بالقلعة، وفرض على الدور والممتلكات أجرة سنة كاملة، وقرر المغارم " على الملتزمين وأصحاب الحرف حتى على الحواة والقردتية والمحبظين، والتجار، والنحاسين والدللين والقبانية وقضاة المحاكم وغيرهم ".
انصرف كليبر بعد اخماد الثورة إلى اجراء بعض الأصلاحات الادارية والمالية، لكن لم يمض أقل من شهرين حتى أغتيل كليبر في (21 محرم 1215 هجرية/14 يونيه 1800م) بطعنة قاتلة من أحد طلبة الأزهر السوريين، وهو سليمان الحلبي بإيعاز من السلطات العثمانية على ما يقال. ثم أعدم الحلبى بعد تشيع رفات كليبر في احتفال مهيب بعد ذلك بثلاثة أيام.
انظر أيضاً