تميز انتاجهم الأدبي بالتأمل في الحياة وأسرار الوجود والتعمق في فهم النفس الأنسانية واتساع النظرة إلى المجتمع البشري، والتعلق بالوطن العربي، والاتجاه إلى الرمز في التعبير.
هاجرَ كثيرٌ من الشعراء العرب ما بين الفترة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين تقريبًا إلى خارج البلاد العربية، وعاشوا هناك طيلةَ حياتهم وقاموا في تلك البلادِ التي استقرُّوا فيها بالتأليف وكتابة الشعر وغيره، ويطلقُ مصطلح شعراء المهجر عادةً على النخبة من بلاد الشام ولبنان خصوصًا الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية والجنوبية، وقد قام الكثيرُ منهم بإنشاء العديد من النوادي والروابط الأدبيَّة التي جمعت الكثير منهم في مهجرهم، مع أنَّ بعض الأدباء لم يكُن من أعضاء تلك المجموعات، ومن أشهر الروابط الأدبيَّة لشعراء المهجر هي الرابطة القلمية والتي سيدور الحديث حولها في هذا المقال.
التأسيس
بدأت فكرة الرابطة عام 1916 إلا أنها تأسست رسميا عام 1920 في نيويورك على يد نخبة من الأدباء. وفي كتابه "جبران ـ حياته، موته، أدبه، فنه" ذكر ميخائيل نعيمة أن الرابطة "تأسست بعد جلستين، عُقدت أولاهما في منزل عبد المسيح حداد، مالك ورئيس تحرير جريدة السائح النيويوركية العربية، بتاريخ 20 أبريل (نيسان) 1920". وورد في محضر هذه الجلسة التي دونها نعيمة بيده على حد تأكيده، أن "أحدهم رأى أن تكون لادباء المهجر رابطة تضم قواهم وتوحد مسعاهم في سبيل اللغة العربية وآدابها. فوافقت الفكرة استحسان كل الادباء الحاضرين وهم: جبران، نسيب عريضة، وليم كاتسفليس، رشيد أيوب، عبد المسيح حداد، ندرة حداد، ميخائيل نعيمة.
وفي 28 منه، عقدت الجلسة الثانية والحاسمة في منزل جبران بحضور الادباء، الذين حضروا الجلسة التمهيدية، إضافة إلى الأديب الفكه الياس عطا الله. تمت الموافقة على دستور الجمعية، وانتخب المؤسسون جبران عميداً للرابطة، و ميخائيل نعيمة مستشاراً، و وليم كاتسفليس خازناً، وكلفوا نعيمة مهمة تنظيم قانونها".[1][2] وتفككت بمجرد موت جبران سنة 1932.
المباديء
جمعت الرابطة القلمية الأدباء الذين عاشوا في المهجر وتأثروا بالبلدان التي استقروا فيها، فكان لذلك تأثيرًا كبيرًا على كتاباتهم وأشعارهم، فاجتمعوا في رابطة أدبية واحدة تجمع وتوحد مساعيهم في سبيل اللغة العربيةوآدابها، وكان لهذه الرابطة العديد من المبادئ التي تميَّزت بها، وفيما يأتي بعض أهم مبادئ الرابطة القلمية: [3]
استخدام اللغة السهلة البسيطة التي تميَّز بها الشعر الحديث، وابتعادهم بذلك عن تعقيد الصور وعن أساليب الكتابة العربية التقليدية.
تجديد في مختلف الأساليب الشعرية، مثل ظهور الشعر الحر.
اتخاذ الطابع الإنسانيّ وظهوره بشكل كبير في أساليبهم. المبالغة في ذكر الحنين إلى الأوطان والتعلُّق بها وذلك بسبب بعدهم عن أوطانهم.
المبالغة في تجسيد الطبيعة ووصفها في صياغة التجارب الشعرية.
المبالغة في التأمل في الحياة وأسرار هذا الوجود والنظر إلى جوهر الأشياء.
الدعوة إلى قيم الحب والجمال والخير والحق. استخدام الرمز بكثرة في أساليبهم وأشعارهم.
إنجازاتها
قام أعضاءها بنشر الجرائد والصحف العربية في بلاد المهجر ومنها:
مجلة "الفنون" وتعنى بالأدب وناشرها كان نسيب العريضي.
كان جبران خليل جبران عميد الرابطة القلمية والتي انتهت بوفاته عام 1932، ومن أروع وأشهر قصائده أعطني الناي وغنِّ التي غنَّتها المغنِّية اللبنانية فيروز، وفيما يأتي بعض من أبيات القصيدة:
أعطنِي النَّاي وغنِّ
فالغنَا سرُّ الوجُودْ
وأنينُ الناي يبقى
بعد أنْ يفنى الوجودْ
هل تَخِذتَ الغابَ مثلي
منزلًا دونَ القصورْ
فتتبَّعتَ السواقي
وتسلَّقتَ الصخورْ
هل تحمَّمتَ بعطرٍ
وتنشَّفتَ بنورْ
وشرِبتَ الفجر خمرًا
في كؤوسٍ من أثير
هل جلست العصر مثلي
بين جفنات العنبْ
والعناقيد تدلَّتْ
كثريَّات الذهبْ
فهي للصادي عيونٌ
ولمن جاع الطعامْ
وهي شهدٌ وهي عطرٌ
ولمن شاءَ المدامْ
هل فرشتَ العشب ليلًا
وتلحَّفتَ الفضا
زاهدًا في ما سيأْتي
ناسيًا ما قد مضى
وسكوتُ الليل بحرٌ
موجهُ في مسمعكْ
وبصدر الليل قلبٌ
خافقٌ في مضجعكْ
ميخائيل نعيمة
كان ميخائيل نعيمة مستشارًا في الرابطة الأدبية، ومن أشهر الشعراء في المهجر، توفي عام 1988، ومن بعض خواطره وأقواله:
أنا هو المنوال والخيط والحائك
وأنا أحوكُ نفسي من الأموات/الأحياء
أموات الأمس واليوم والأيَّام التي ما ولدت بعد
والذي أحوكُه بيدي
لا تستطيع قدرة أن تحلَّه حتَّى ولا يدي.
إيليا أبو ماضي
كان إيليا أبو ماضي حد أشهر شعراء المهجر وأحد أعضاء الرابطة القلمية، أول ديوان له كان "تذكار الماضي" عام 1911، توفي عام 1957، ومن أجمل ما كتب إيليا أبو ماضي قصيدة "قال السماء كئيبة" وفيما يأتي بعض من أبيات القصيدة:
قالب:السماءُ كئيبةٌ وتجهَّما
قلت: ابتسم، يكفي التجهُّم في السَّما
قال: الصبا ولى!
فقلت له: ابتــسِمْ لن يرجعَ الأسفُ الصبا المتصرِّما