البيمارستان العضدي
البيمارستان العضدي هو أعظم إنجازات عضد الدولة البويهي. أقامه سنة (371هـ = 192م) في الجانب الغربي من بغداد.
وقد زوده بما يحتاج إليه من الأطباء والممرضين والخدم والطباخين والأدوات والأدوية، وألحق به بيمارستانًا للمجانين، وكان يعمل به ما يزيد عن ستين طبيبًا في مختلف الاختصاصات، استقدم بعضهم عضد الدولة للعمل في البيمارستان من أماكن مختلفة، ومن هؤلاء الأطباء: جبرائيل بن عبيد الله بختيشوع، وأبو يعقوب الأهوازي، وأبو عيسى بقية، والكحال أبو نصر الرحبي، وأبو الحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة، وكان يتولى رئاسة الأطباء في البيمارستان.
والبيمارستان كلمة فارسية الأصل تعني المستشفى أو دار المرضى، وهي مركبة من كلمتين: بيمار وتعني المريض، وستان وتعني الدار. وقد تحولت الكلمة مع مرور الزمن إلى "مارستان" التي لا تزال تطلق الآن على مستشفى الأمراض العقلية. ويعد البيمارستان العضدي واحدا من أشهر المؤسسات العلاجية التي أنشئت في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية.
وكانت تلك البيمارستانات تسير وفق نظام دقيق وترتيب غاية في الإحكام، فهي تنقسم إلى قسمين منفصلين، أحدهما للذكور والآخر للإناث، ويضم كل قسم قاعات فسيحة لمختلف التخصصات الطبية كالأمراض الباطنية، والجراحة، والكحال (الرمد)، والتجبير (العظام).
ولكل قسم من هذه الأقسام مجموعة من الأطباء الاختصاصيين في مختلف فروع الطب يتناوبون العمل فيما بينهم، ويقوم على كل طائفة منهم رئيس لإدارتها وتفقد أحوال المرضى، ويعاون الأطباء مساعدون من الممرضين والمشرفين والخدم يقومون على خدمة المرضى وتقديم الطعام والعلاج لهم.
وإلى جانب هذا النظام الداخلي لعلاج المرضى كان يوجد عيادات خارجية تقوم على خدمة المرضى وعلاجهم مما لا تحتاج حالتهم إلى استبقائهم داخل البيمارستان، فكان الطبيب يجلس على دكة، يكتب لمن يرد عليه من المرضى أوراقًا يعتمدون عليها، ويأخذون بها الأدوية والأشربة من صيدلية البيمارستان ليتابع العلاج في بيته، وهي تعد جزءًا مهمًا من مرافق البيمارستانات يقوم عليها الصيادلة، وتحتوي على أنواع مختلفة من الأدوية والأشربة والمعاجين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رسالة من مريض إلى أبيه
ويحسن هنا أن أنقل ما كتبته المستشرقة الألمانية "زجريد هونكه" في كتابها "شمس العرب تطلع على الغرب" عن مريض كان يعالج في أحد مستشفيات قرطبة كتب رسالة إلى أبيه يصف له ما وجده من غيابه في المستشفى، يقول:
"لقد سجلوا اسمي هناك بعد المعاينة، وعرضوني على رئيس الأطباء، ثم حملني ممرض إلى قسم الرجال، فحمّني حمامًا ساخنًا، وألبسني ثيابًا نظيفة من المستشفى، وحينما تصل ترى إلى يسارك مكتبة ضخمة وقاعة كبيرة حيث يحاضر الرئيس في الطلاب، وإذا ما نظرت وراءك يقع نظرك على ممر يؤدي إلى قسم النساء، ولذلك عليك أن تظل سائرًا نحو اليمين، فتمر بالقسم الداخلي والقسم الخارجي مرورا عابرا، فإذا سمعت موسيقى أو غناء ينبعثان من قاعة ما، فادخلها وانظر بداخلها، فلربما كنت أنا هناك في قاعة النُقَّه (جمع ناقه) حيث تشنف آذاننا الموسيقى الجميلة ونمضي الوقت بالمطالعة المفيدة.. واليوم صباحًا جاء كالعادة رئيس الأطباء مع رهط كبير من معاونيه. ولما فحصني أملى على طبيب القسم شيئًا لم أفهمه، وبعد ذهابه أوضح لي الطبيب أنه بإمكاني النهوض صباحًا، وبوسعي الخروج قريبًا من المستشفى صحيح الجسم معافى، وإني والله لكاره هذا الأمر، فكل شيء جميل للغاية ونظيف جدًا، الأسِرّة وثيرة وأغطيتها من الدمقس الأبيض، والملاء بغاية النعومة والبياض كالحرير، وفي كل غرفة من غرف المستشفى تجد الماء جاريًا فيها على أشهى ما يكون، وفي الليالي القارسة تدفأ كل الغرف...".
وكانت تلك البيمارستانات تُرصد لها الأوقاف؛ ليصرف من ريعها على رواتب الأطباء والعاملين، علاج المرضى، وخصص لإدارتها ناظر يقوم على أمرها وعلى الأموال والأوقاف المخصصة لها، وكان هذا المنصب من الوظائف الديوانية العظيمة في الدولة لا يُختار له إلا الأكفاء من ذوي القدرة والأمانة.
وفاة عضد الدولة
لم تطل الحياة بعضد الدولة بعد أن قام بتلك الأعمال بعد توحيده العراق وفارس تحت حكمه وازداد نفوذه، فتوفي بداء الصرع في بغداد في (8 شوال 372هـ = 26 مارس 983م) عن ثمانية وأربعين عامًا.
من مصادر الدراسة:
ابن الأثير على بن محمد: الكامل في التاريخ – دار صادر – بيروت 1402هـ = 1982م.
ابن خلكان: وفيات الأعيان – تحقيق إحسان عباس – دار صادر – بيروت – 1978.
حسن أحمد محمود وأحمد إبراهيم الشريف: العالم الإسلامي في العصر العباسي – دار الفكر العربي – القاهرة – بدون تاريخ.
عصام عبد الرؤوف: الدولة الإسلامية المستقلة في الشرق – دار الفكر العربي – القاهرة – 1974م.
سيجريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب- ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي – دار الآفاق الجديدة – 1401هـ = 1981م.
كمال السامرائي: مختصر تاريخ الطب العربي – دار النضال – بيروت – 1409هـ = 1989م.