أبو إسحاق الزجاج
الزَجَّاج أو أبو إسحاق الزجّاج أو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السرى بن سهل الزجاج البغدادي (241 هـ-311 هـ/923 م) نحوي من العصر العباسي، "من أهل العلم بالأدب والدين المتين" كما وصفه ابن خلكان. صنف العديد من الكتب، أشهرها كتاب معاني القرآن في التفسير، وكتاب ما ينصرف وما لا ينصرف وكتاب تفسير أسماء الله الحسنى. صحب وزير الخليفة العباسي المعتضد بالله عبيد الله بن سليمان، وعلم ابنه القاسم بن عبيد الله الأدب.
ولد ببغداد وبها توفي. كان يعمل في صناعة الزجاج، فتركه واشتغل بالأدب. تعلم على يد المبرد وثعلب وغيرهما. روى أبو سليمان الخطابي عن أحمد بن الحسين الفرائضي قال: «كان أصحاب المبرد إذا اجتمعوا واستأذنوا يخرج الآذن فيقول: إن كان فيكم أبو إسحاق الزجاج وإلا انصرفوا، فحضروا مرة ولم يكن الزجاج معهم؛ فقال لهم ذلك فانصرفوا، وثبت رجل منهم يقال له عثمان، فقال للآذن: قل لأبي العباس: انصرف القوم كلهم إلا عثمان فإنه لم ينصرف، فعاد إليه الآذن وأخبره، فقال: قل له إن عثمان إذا كان نكرة انصرف، ونحن لانعرفك فانصرف راشدا.» 1
أبو إسحاق، إبراهيم بن السَّريّ بن سهل، من أئمة العربية في النحو واللغة، ولد ومات في بغداد، و(الزجّاج) لَقَبٌ غلب عليه لاشتغاله في مطلع حياته بخراطة الزجاج، وكان دخله من هذا العمل ضئيلاً لا يكاد يتجاوز الدرهمين، وتاقت نفسه، مع ما هو فيه من إقلال إلى التعلم ومعرفة اللغة، فاتصل بمجلس «ثعلب» وظل يستفيد منه حتى وفد «المبرّد» على بغداد، واتخذ له حلقة في المسجد، فانتقل إلى حلقة المبرّد، وكان هذا الأخير لا يعلّم إلا بأجر، ولايبذل لتلاميذه من علمه إلا بقدر ما يدفعون له من المال، وقد عرض الزجاج عليه أن يدفع له درهماً واحداً كل يوم ما امتدت حياتهما، سواء احتاج إلى التعلّم أو استغنى عنه، على أن يمنحه المبرد من العلم أقصى ما يبذل من التعليم، وقبل المبرد، فلزمه الزجاج، واستطاع في زمن قصير أن يُحَصّل علماً وافراً، حتى غدا من المقرّبين إلى أستاذه، ووفى كلّ منهما لصاحبه وظل الزجاج يدفع لأستاذه هذا الأجر، ولمّا اتسع رزقه فيما بعد بذل له عطاءً أكثر وظلّ يرعاه إلى أن مات.
وتذكر المصادر أن الزجاج أثرى بعد أن أصبح مؤدباً للقاسم ابن الوزير عُبَيْد الله بن سليمان، ولمّا حلّ الابن محلّ أبيه في الوزارة قرّب إليه الزجاج وجعله وسيطاً عنده في قضاء حاجات الناس، يقدّم رقاعهم إلى الوزير ويأخذ منهم جُعلاً على وساطته، حتى أثرى وحصّل في عام واحد ما يزيد على أربعين ألف دينار.
وهُيّئ له بعد ذلك أن يتصل بالخليفة المعتضد، وسبب هذا الاتصال أن أحد جلساء الخليفة من الكتاب، وهو محمد بن يحيى بن عبّاد ألف للمعتضد كتاباً جامعاً في اللغة سمّاه «جامع النطق» نهج فيه منهج الخليل ابن أحمد في كتاب العين، فاستعصى فهمه على الخليفة، وطلب من وزيره القاسم أن يتطلب من يفسّره فاختار الزجاج، فنهض به وسمّى شرحه «ماسمي من جامع النطق» وكُتبت منه نسخة واحدة للخليفة فقط، فكافأه هذا الأخير وجعله من ندمائه، فأصبح له رزقٌ في الندماء، ورزقٌ في الفقهاء، ورزقٌ في العلماء ثلاثمئة دينار كل شهر، ومهما يكن من أمر معيشة الزجاج وانفراج أحواله فإن ما انتهى إلينا من أخباره العلمية ومؤلفاته يشهد بعلّو منزلته في العربية؛ نحوها ولغتها وأدبها، وهو من النحاة الذين درسوا أصول المذهبين الكوفي والبصري، أخذ الأول عن ثعلب، والثاني عن المبرد، إلا أنه آثر أن يختار مذهب هذا الأخير، وقد ظهر ذلك جلياً في مناظراته ومؤلفاته، مع وجود بعض الآراء التي تفرّد بها وخالف بها النحاة، مما يدل على قدرته في الاجتهاد.
لم يتعلّم الزجاج من أستاذيه النحو فَحَسْب، بل أخذ عنهما اللغة والأدب والرواية، فالمبرد هو أيضاً صاحب «الكامل في اللغة والأدب»، وثعلب صاحب «المجالس» المشهورة، وهو الذي شرح طائفة من دواوين الشعراء المتقدمين، ولعلّ أهم ما أخذه الزجاج عن المبرّد هو دراسة كتاب سيبويه عليه، حتى قيل: إن المبرد لم يكن يُقرئ أحداً كتاب سيبويه حتى يقرأه على الزجاج ويصحح به كتابه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفاته
توفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة ومختلف في سنة وفاته فيقال سنة 310 ويقال: سنة إحدى عشرة، وقيل: سنة ست عشرة. وقد قارب الثمانين حين وفاته.
تلاميذه
من تلاميذه:
- أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجي، صاحب كتاب الجمل في النحو وإليه ينسب.
- أبو العباس بن ولاد التميمي
- أبو علي الفارسي
- أبو جعفر النحاس
وغيرهم.
كتبه
وقد تنوعت مصنفات الزجاج بتنوع ثقافته، وأشهرها «معاني القرآن وإعرابه»، وهو من أجود كتب الأعاريب. والزجاج من أوائل النحاة الذين دعوا إلى ضرورة الربط بين المعنى والإعراب، قال في المقدمة:«وإنما نذكر مع الإعراب المعنى والتفسير، لأن كتاب الله يجب أن يتبيّن..» وقد استغرق في تأليف هذا الكتاب ستة عشر عاماً، إذ بدأ يمليه سنة 285هـ، وفرغ منهُ سنة 301هـ.
ويتلخص منهجه في هذا الكتاب بإيراد الآية ثم التوقف عند بعض ألفاظها من جهة اللغة والإعراب، وإيراد ما يتصل بها من قراءات مستعيناً بالحجج والشواهد شعراً ونثراً، مع اهتمام ظاهر بلهجات العرب ومذاهب النحويين، ولم تكن أقوال النحويين موضع تسليم عنده في كل الأوقات فناقش أصحابها، واختار في توجيه الآيات ما قدر أنه الأجود والأعلى، بل إنه تردد في قبول بعض القراءات الشاذة، وظهر جلياً اتكاؤه على أئمة نحاة البصرة ولاسيما سيبويه والخليل ويونس.
وقد نسب القدماء إلى الزجاج أنه كان يذهب مذهباً خاصاً في اشتقاق الكلمات وأخذ بعضها من بعض، فهو يرى أن كلّ لفظتين اتفقتا في بعض الحروف وإن نقصت حروف إحداهما عن حروف الأخرى فإن إحداهما مأخوذة من صاحبتها، وقد صرّح الزجاج بهذه القاعدة في كتابه المذكور وجرى عليها، قال: «وكلام العرب إذا اتفق لفظه فأكثره مشتقٌ بعضه من بعض، وآخذٌ بعضه برقاب بعض» ويبدو أن هذه القاعدة لم تغب عن تلميذه أبي علي الفارسي وعن ابن جني في كثير من مسائل الاشتقاق والتصريف التي توقفا عندها.
وقد ترك كتاب «المعاني» للزجاج أثراً كبيراً فيمن جاء بعده من النحاة والمفسّرين والمعربين، وأول من توقف عنده تلميذه أبو علي، فأصلح ما فيه من مسائل وناقشه في بعضها في كتاب سمّاه «الإغفال»، وتوقف عنده المتأخرون كالزمخشري في «الكشاف» وأبي حيان في «البحر المحيط» والخازن والبغوي وابن هشام وغيرهم.
وقد ذكرت كتب التراجم للزجاج غير «المعاني» عشرين كتاباً تقريباً طبع منها إضافة إلى الكتاب المذكور: «فَعَلْتُ وأفعلت» و«ما ينصرف وما لاينصرف» و«تفسير أسماء الله الحسنى» وماتزال كتبه الأخرى كـ «شرح أبيات سيبويه» و«المقصور والممدود» و«النوادر» و«الأمالي» و«الاشتقاق» و«خلق الإنسان» و«القوافي» و«العروض» و«حروف المعاني» بين مخطوط أو مفقود.
ولم يكن تلامذة الزجاج بأقل شهرة من مصنفاته، ويكفيه أن من جملة من أخذ عنه أبا بكر بن السراج، صاحب «الأصول في النحو» وابن ولاّد، صاحب كتاب «الانتصار لسيبويه على المبرد» والنحاس صاحب كتابي «إعراب القرآن» و«معاني القرآن»، وأبا علي القالي صاحب «الأمالي»، والزجاجي صاحب «الجمل» و«مجالس العلماء»، والآمدي صاحب «الموازنة» وأبا علي الفارسي أشهر نحاة المئة الرابعة وأغزرهم تأليفاً، والرمّاني الذي شرح كتاب سيبويه.
- معاني القرآن ، وطبع بعنوان معاني القرآن وإعرابه، وحققه د.عبد الجليل عبده الشبلي، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الثانية، 1997.
- كتاب الأمالي.
- كتاب ما فسر من جامع المنطق.
- كتاب الاشتقاق.
- كتاب العروض.
- كتاب القوافي.
- كتاب الفرق.
- كتاب خلق الإنسان.
- كتاب خلق الفرس.
- كتاب مختصر في النحو.
- كتاب فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ، وحققه ماجد الذهبي، وطبع في الشركة المتحدة للتوزيع في دمشق، عام 1984.
- كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف، حققته هدى قُرَّاعة، وطبع في لجنة إحياء التراث العربي، القاهرة، 1971.
- كتاب شرح أبيات سيبويه.
- كتاب النوادر.
- كتاب الأنواء.
وغير ذلك. وكل ما ذكر من الكتب مفقود إلا ما أشير إلى كونه مطبوعاً.
- وهناك كتاب مطبوع بعنوان (إعراب القرآن) ونسب إلى الزجاج خطأ، حققه د. إبراهيم الإبياري ، وطبع في القاهرة، عام 1963، والاسم الصحيح للكتاب هو (جواهر القرآن ونتائج الصنعة) ل جامع العلوم الأصبهاني الباقولي (ت 543 هـ)، وحقق نسبته إليه د. محمد أحمد الدالي في مقدمة تحقيقه كتاب (كشف المشكلات وإيضاح المعضلات) للباقولي، المطبوع في مجمع اللغة العربية في دمشق، عام 1995.
انظر أيضا
مراجع
- 1 وفيات الأعيان لابن خلكان1/49-50