وليام وردزورث

(تم التحويل من William Wordsworth)
وليام وردزورث
William Wordsworth
پورتريه لوليام وردزورث، بريشة بنجامن روبرت هيدن (NPG).
پورتريه لوليام وردزورث، بريشة بنجامن روبرت هيدن (NPG).
وُلِد(1770-04-07)7 أبريل 1770
Wordsworth House, ككرموث، إنگلترة
توفي23 أبريل 1850(1850-04-23) (aged 80)
كمبرلاند, إنگلترة
الوظيفةشاعر
الأصنافشعر
الحركة الأدبيةالرومانسية

وليام وردزورث William Wordsworth (ع. 1770 - 1797) شاعر انجليزي رومانسي، ساعد مع صمويل تيلر كولردج على اطلاق العصر الرومانسي في الأدب الإنگليزي بمنشورتهم المشتركة في 1798 Lyrical Ballads.

كانت أمه آن كوكسون Ann Cookson ابنة تاجر كتان في پنريث Penrith - أما أبوه جون وردزورث فكان محامياً نجح في عمله كوكيل لأعمال السير جيمس لوثر Lowther، وقد ربى الزوج والزوجة في منزلهما المريح في كوكرموث خمسة أطفال: ريتشارد الذي أصبح محاميا ووكيل أعمال، وأدار الأمور المالية للشاعر، ووليام ودوروثي وهما اللذان سنهتم بهما في سياقنا هذا، وجون الذي مات في حادث جنوح سفينة، وكريستيان الذي درس وتدرج في المناصب حتى صار رئيسا لكلية التثليث في كمبردج• ولأسباب لانعلمها الآن لم يتم تعميد وليم إلا بعد ميلاد دوروثي التي ولدت بعده بعام (في سنة 1771) فقد تم تعميد الأخ وأخته في اليوم نفسه كما لو كان هذا لمباركة حبهما الذي استمر مدى الحياة•

لقد أصبحت دوروثي هي صديقة طفولته وكان ارتباطه بها يفوق ارتباطه بإخوته الآخرين • وكان وليم وردزورث حاد الذهن حساسا ، وكانت هي أكثر منه حدة وأشد حساسية إذ كانت أسرع منه في تمييز أشكال النباتات وألوانها، وأنواع الأشجار وطبيعتها وما تفرزه وحركة السحب البطيئة وكانت شديدة الإحساس بضوء القمر الفضي الذي يكسو البحيرات• لقد كان على الشاعر أن يقول عن أخته: لقد كانت عيني التي أرى بها وأذني التي أسمع بها• لقد كانت تلطف من حدة اندفاعه في القنص ليطارد ويقتل، لقد أصرت على أن عليه ألا يؤذي أي كائن حي(1)•

وعندما بلغت دوروثي السابعة من عمرها فُجِعا بموت أمهما• وحزن أبوهما حزنا شديدا ورفض أن يتخذ له زوجه أخرى، واستغرق في عمله وأرسل أطفاله ليعيشوا مع أقاربهم• فذهبت دوروثي إلى خالة لها في هاليفاكس في يوركشير فلم تعد الآن قادرة على رؤية وليم إلا في فترة الإجازات• وتم إلحاقه في سنة 9771 بمدرسة جيدة في هوكشيد Hawkshead بالقرب من بحيرة وندرمير Windermere وفيها درس الكلاسيّات الإغريقية واللاتينية وبدأ - كما قال - ينسج الشعر• ويبدو أن الغابات والمياه القريبة قد لعبت دورا أكبر من دور كتبه في تشكيل أسلوبه وشخصيته• ولم يكن عازفا عن الحياة الاجتماعية فقد كان يشارك غيره من الشباب في المباريات وأحيانا كان يقضي أمسيات صاخبة في فندق محلي لكنه كثيرا ما كان يتجول وحيدا بين التلال على طول شاطئ اسثويت Esthwaite Water وبحيرة وندرمير Windermere• وبين الحين والآخر كان لا يعبأ بالمناخ فقد ألف تغيراته، فكان يمعن في تجوله إلى أماكن لا يكون فيها آمنا وعرف المخاوف التي يمكن أن تلم بالشباب الذين يترددون على الأماكن التي بها كائنات حية غير بشرية، لكنه بالتدريج بدأ يحس بالروح الكامنة في نمو النباتات وفي لعب الحيوانات وصراعها، وفي شموخ الجبال وفي ابتسام السماء وتجهمها• لقد بدا له وكأن كل هذه الأصوات المنبعثة من الحقول والغابات والذرى والسحب تتحدث إليه بلغتها الخاصة• لغة أدق من لغة الكلمات وأرق وأكثر باطنية، لكنه يحس معانيها التي تؤكد له أن الأشياء المتعددة الكثيرة كثرة لا تصدق الموجودة حوله ليست مجرد ماديات لاحول لها وإنما هي إبداع رب أعظم وأقرب من الإله البعيد الصامت الذي لا شكل له، الذي يتوجه إليه في صلواته• ومن هنا أصبح ذا مزاج استبطاني جعله يستغرق في تأمل الحياة الداخلية أو الباطنية بالإضافة للعبادة الظاهرة•

وفي سنة 3871 مات أبوه فجأة• وكانت ممتلكاته متفرقة وغير موثقة، فمرت عبر قضايا استغرقت وقتاً طويلا وكلفت الكثير من الأموال وتأخر سداد مبلغ 007،4 جنيه إسترليني التي كان السير جيمس لوثر مدينا بها كثيرا حتى إن الوصية الموجودة لم تكن تسمح سوى بستمائه جنيه لكل طفل وهو مبلغ لا يسمح أبدا بمواصلة تعليمهم(2) ومع ذلك وجد أخوهم ريتشارد من الوسائل ما يمكنه من رؤية وليم في هوكشيد Hawkshead وفي أكتوبر سنة 7871 التحق وردزورث بكلية القديس جون في كمبردج• وحث أحد أعمامه مدير الكلية لتقديم منحة دراسية له على أمل أن يتمكن من إعداد نفسه لتسنم منصب كهنوتي في الكنيسة الإنجليكانية، وبالتالي لايشكل عبئا مالياً على أقاربه • لكن وليم بدلاً من أن يعكف على دراسات تؤهله لمنصب كهنوتي راح يقرأ ما يعجبه، خاصة شوسر Chaucer وسبنسر وشكسبير وميلتون - واعترض على إلزامه بالحضور إلى الكنيسة مرتين في اليوم، فقد كان من الواضح أن قراءاته قد أزاحت شيئا من عقيدته الموروثة• لكن كثيرا من إيمانه وعقيدته الموروثة هذه لا بد أن يكون قد ظل مصاحباً له لأنه لم يكن يأنس لأفكار فولتير• وفي يوليو سنة 0971 حث زميل دراسته، ابن ويلز، روبرت جون على أن يدخرا معا عشرين جنيها للقيام معا برحلة - مشيا على الأقدام - في القارة الأوربية•

واتخذا طريقهما إلى بحيرة كومو Como واتجها شرقا في سويسرا، وهناك أصبح المال اللازم معهما قليلا فأسرعا بالعودة إلى إنجلترا ليهدئا من غضب المسؤولين الماليين• وعوض وردزورث، دوروثي عن إهماله لها طوال عام بأن راح يقضي أيام الكريسماس معها في فورنست ركتوري Fornsett Rectory (المقابل الحرفي للكلمة ركتوري هو بيت القسيس) بالقرب من نورويتش Norwich - لقد كتبت دوروثي إلى جين بولارد لقد اعتدنا أن نتمشى كل صباح نحو ساعتين ، وكنا في كل يوم نذهب إلى الحديقة في الساعة الرابعة مساء••• لنسير جيئة وذهابا حتى السادسة •• آه يا جين •• إنني لم أكن أشعر بالبرد عندما يكون معي(3) وكانت تأمل أن يصير رجل دين وأن يسمح لها عندئذ بأن ترعى بيته• وعندما تخرج من كمبردج (يناير 1971) تحطمت كثير من آماله بذهابه إلى لندن حيث عاش في خمول يكاد يكون تاما(4) وكان في كل شهر من شهور مايو يقوم مع جونز Jones بجولة في أنحاء ويلز، فكانا يتسلقان جبل سنودون Snowdon (053،1 قدما) ليريا شروق الشمس• وفي 72 نوفمبر عبر مرة أخرى بمفرده إلى فرنسا• لقد كانت الثورة الفرنسية وقت وصوله إلى فرنسا هذه المرة في أجمل وأرق مراحلها، لقد كانت الثورة قد صاغت دستورها الليبرالي وتم إعلان حقوق الإنسان للعالم، فإلي أي حد كان شاب صغير لازال يتمرغ في مهاد الفلسفة، يستطيع أن يقاوم هذه الدعوة للعدالة والأخوة العالمية (على مستوى العالم)؟ لقد كان يصعب كثيرا على دارس فقير لحقه بعض الضرر من اللوردات وذوي الألقاب الطبقية (سير جيمس لوثر Lowther) أن يدين هؤلاء الفرنسيين الذين وصفهم بعد ذلك في مستهل ترجمته الذاتية (كتابته عن تاريخ حياته):

- هؤلاء الفرنسيون الذين يعرضون أموراً علينا النظر إليها، - إنهم يعرضون جمهورية حيث يكون، - كل الناس فيها - إلى حد كبير - سواء، - يقفون على أرضية مشتركة - لنصبح جميعا إخوة - متساويين في الكرامة والشرف لنكوّن مجتمعا - واحدا كريما وشريفا، - مجتمعا واحداً يضم السادة والدارسين، ولاتغدو -هناك فوارق - ويقل شأن الألقاب والثروة - أمام المواهب والجدارة والحرف (الصناعات) المزدهرة•

وعندما وصل إلى فرنسا تأثر بحماسة أمةٍ تفزع إلى السلاح لمواجهة تهديدات الدوق برونسويك Brunswick بسحق الثورة وتسوية باريس بالأرض إن قاومته• وعقد صداقة مع أحد ضباط جيش الثوار [[ميشيل دي بوبوى]] Michel de Beaupuis الذي كان ينتمي بحكم ميلاده إلى طبقة النبلاء، لكنه يشعر الآن بضرورة الدفاع عن فرنسا ضد الغزاة• لقد حرك هذا الانفلات من أسر الطبقية مشاعر وردزورث وأوحى له أن يكون مفيدا لخدمة قضية الثورة، لكنه شعر أنه أوهن من أن يحمل سلاحا وأن ما يعرفه من اللغة الفرنسية لا يؤهله للعمل في المجال المدني أو السياسي، فاستقر في أورليان Orleans لدراسة الفرنسية، هذه اللغة الفاتنة خاصة إذا تحركت بها شفاه النساء•

ووجد هذه اللغة رائعة جذابة، ومما زاد من هذه الروعة وتلك الجاذبية أنه تلقاها على يد أَنِت فالون Annette Valon الشابة دافئة القلب دافئة الدماء التي لم تكتف بتعليمه الفرنسية وإنما وهبته جسدها أيضا• ولم يقدم لها مقابل هذا إلا شبابه فقد كان في الواحدة والعشرين بينما كانت هي في الخامسة والعشرين• وعندما ظهرت عليها بوادر الحمل ظنت أنها جديرة أن تكون زوجة له، ولكن وليم تساءل: أيستطيع هو - الذي يعرف من اللاتينية أكثر مما يعرف من الفرنسية أن يكون زوجاً في فرنسا، وهل تستطيع هي ، وهي كاثوليكية وثنية Pagan Catholic أن تعيش في إنجلترا البيوريتانية (التطهرية)؟ وفي 92 أكتوبر سنة 1793 تركها في أورليان واتجه إلى باريس وقبل مغادرتها وقع مستنداً يخول السيد م• دفور Dufour أن يقوم بدور الأب الغائب عند تعميد الطفل المرتقب (الذي ستنجبه أنت (Annette(6) وفي 51 ديسمبر أنجبت طفلة أطلق عليها اسم كارولين•

وانخرط وردزورث وهو في باريس في هذا الوقت في وقائع الثورة، فحضر اجتماعا لليعاقبة وزار الجمعية التشريعية وكون صداقات مع الجيرونديين• لقد دهمته حمى العصر (المقصود أحداثه الساخنة) فوجد نفسه في وسط أحداث صنعت التاريخ وهزته: - أن تكون على قيد الحياة في فجر هذه الأحذاث، فتلك نعمة، - أما أن تكون شابا فقد أدركت الفردوس بعينه!(7) ووصله خطاب من أخيه ريتشارد يرفض تقديم مزيد من الدعم المالي ويصر على عودته السريعة• ولم يعرض عليه الثوار دعما فعبر إلى لندن وحاول تحسين الأمور المالية للأسرة، وظل الأخ ريتشارد صارماً رغم حبه• أما العم وليم كوكسون Cookson وكاهن فورنست Fornsett ومضيف دوروثي (أي الذي تقيم عنده دوروثي) فقد أوصد أبوابه في وجه هذا الشاب الذي كان يقدم له الدعم المالي لمواصلة تعليمه ليكون رجل دين فإذا به الآن يتحول فيما يبدو إلى يعقوبي كسول•

لقد أضير وليام ضررا شديدا، فعكف على الشعر يدرسه ويقرضه، وشعر أنه كتابع مخلص لربة الشعر والغناء (موزيه Muse) جدير بدعم الإخوة والأعمام والأخوال، وانضم إلى الراديكاليين الذين كانوا يترددون على مكتبة جونسون (لبيع الكتب ونشرها) وواصل تأييده العلني للثورة• وفي السطور الخمسين الأخيرة لإسكتشاته الوصفية Descriptive التي كتبها ونشرها في سنة 3971 امتدح الثورة الفرنسية لا باعتبارها تحريرا لأمة فحسب وإنما باعتبارها تنطوي على تحرير الجنس البشري كله، وقد اعترف في كتابات نشرت بعد وفاته أنه كان يكتم سعادته لانتصارات الثورة الفرنسية حتى عندما كان آلاف الإنجليز يلقون حتوفهم في ميدان المعركة دون أن يتركوا وراءهم مجداً (8) وفي أول فبراير سنة 3971 أعلنت فرنسا الحرب على إنجلترا وفي مارس من العام نفسه وصل إلى وردزورث خطاب من أنت Annette تتوسل إليه أن يعود إليها لكن القنال الإنجليزي كان قد أغلق في وجه المسافرين المدنيين• ولم ينسها أبدا، فقد كانت ذكراها تحرق شعوره، وسنراه بعد ذلك بتسع سنين يحاول تقديم بعض الترضيات، وخلال هذه الأعوام أصبحت أنت Annette من أنصار الملكية المتحمسين، واكتشف وليم شيئا فشيئا مزايا الدستور البريطاني• لقد تضاءل إيمانه بالثورة الفرنسية عندما قطعت المقصلة رؤوس الجيرونديين في عهد الإرهاب في سنة 1794، وكان وليم معجباً بهم• وفي نحو هذا التاريخ كان متأثرا تأثرا شديدا بكتاب جودون Godwin عن العدالة السياسية Enquiry Concerning Political Justice لقد شجع هذا الكتاب اتجاهه الراديكالي لكنه أثر في تحذيره من الثورات التي يشعل الثوريون نيرانها• وفي سنة 5971 قابل جدون Godwin نفسه وأعجب به ودعي سبع مرات في هذا العام إلى منزل الفيلسوف الشهير• وحتى عندما أصبح هو محافظا متحمساً للاتجاه المحافظ ظل على صداقته لجدون حتى فرق الموت بينهما (1836)•

Wordsworth in 1798, about the time he began The Prelude.[1]

وفي سنة 1795 أوصى له ريزلي كلفرت Raisley Calvert بتسعمائة جنيه، فزاده هذا اعتدالا ووقارا لكنه أقرض - بطيش - ثلاثمائة جنيه من هذه الثروة لصديقه المتلاف سيىء السمعة بازل مونتاجو Basil Montagu كما أقرض لصديق مونتاجو الحميم المدعو شارلز دوجلاس Douglas مائتي جنيه - وفي كلتا الحالتين لم يكن هذا الرهن ليدر أكثر من 10%، وحسب وردزورث (وردزورث) أن الفوائد السنوية التي قوامها خمسون جنيها (لم تكن تدفع بانتظام) مع الأربعمائه جنيه المتبقية لن تكفي حتى مع العشرين جنيها التي تمثل دخلا سنويا لدوروثي لتمويل حلم أخته بإقامة سكن يعيشان فيه عيشة مشتركة متواضعة قوامها الشعر والحب، لكن منذ الآن قدم لهما صديق آخر هو جون بني البريستولي John Pinney of Bristol مقر إقامته المؤثث في دورست Dorset ليقيما فيه مجانا، وهناك ظلا حتى يونيو سنة 1797 ونعما في هذا المكان بما لم يكونا يتوقعانه من راحة وخير• إننا نصفه الآن وقد بلغ الخامسة والعشرين• شخص متوسط الطول، نحيل، منحن انحناء خفيفا، يتدلى شعره غير الكثيف وغير المرجَّل حول أذنيه و ياقة قميصه، وتنظر عيناه الداكنتان الحزينتان على طول أنفه المتسائل العدواني المستفز على نحو ما• وكان سرواله بنطاله ذا طابع ريفي من نسيج مزخرف بالمربعات، وكان معطفه عباءة واسعة، ولديه منديل أسود يستخدمه كرباط عنق وكان واهن الجسم لكنه كان ذا طاقه كبيرة وروح قوية وإرادة شديدة، وكان يستطيع أن يلبي حاجة ضيوفه مهما ثقلت وكان يستطيع أن يجعل نيرانه مشتعلة في الأخشاب التي جمعها من الغابة أو قطعها من أشجارها مستخدما قوة ذراعيه وضربات فأسه• لقد كان حساساً كشاعر، وعصبيا كامرأة وكان يعاني من الصداع خاصة عندما ينخرط في تأليف الشعر• وغالباً ما كان مكتئباً متقلب المزاج يميل إلى الهيبوكوندريا (الوسواس المرضي) وكان قريب الدمع، وفكر ذات مرة في الانتحار(9) - لكن هذا كان وسيلة معروفة في العلم للتظاهر بالشجاعة• وكان يحب المال حبا جما، معتزا بنفسه واثقا من تفوق أحاسيسه وسموه العقلي ورقيه الخلقي (متساهلاً مع ما أتاه من اتصالات جنسية لاتتسم بالمبالاة) لكنه كان متواصعا أمام الطبيعة معتزا بنفسه خادماً لها ومعبراً عنها•

أما دوروثي فكانت على نقيضه، أكسبت وجهها سمرة بكثرة مشيها تحت أشعة الشمس، ولم تكن أنانية مستغرقة حول ذاتها أو مفرطة بالإعجاب بنفسها فعكفت على خدمة أخيها ولم تكن تشك في عبقريته أبدا وجعلت بيتهما نظيفا دافئا ورعته في مرضه وكانت تبحث عن مباهج الطبيعة وعجائبها وخوارقها بعينين متوهجتين(01) وذلك على حد تعبيره، وكانت تدون بسرعة في يومياتها هذه المدركات لتتذكرها، وكان هو يستخدم هذه اليوميات (لتوحي له أفكارا وأشعارا)• لقد جعلت أذنيها ويديها وعينيها في خدمته، فلم تكن تمل أبدا من الإصغاء إليه وهو ينشد أشعاره، ولم تكن تمل من نسخها• أما من ناحيته هو فقد أحبها حبا عميقا - دون أن يمنع نفسه عن إقامة علاقات جنسية محرمة معها - لأنها كانت أعز مساعداته له، كما كانت لاتطلب منه الكثير، وكانت بالنسبة إليه تمثل الجزء الذي يحتاجه النبات المعترش للتعلّق والامتداد•

وعندما عادا إلى بيتهما حيث الأسرة، وحصلا على خمسين جنيها إضافية لدخلهما السنوي، شرعا يرعيان بازل Basil ذا الأعوام الثلاثة وهو ابن بازل مونتاجو Montagu وسعدا لرؤية هذا القاصر الغض وهو يتحول من نبات مرتعش هش على وشك الموت إلى صبي مفعم حيوية متوردا لايعرف الخوف إلىه سبيلا(11)• وفي ربيع سنة 7971 أتت صديقة دوروثي، ماري هتشنسون من بنرث Penrith لتقيم معها حتى الخامس من يونيو• وفي السادس من الشهر نفسه اقتحم شاب في الخامسة والعشرين من عمره مسكون بالشِّعر البوابة وجاس خلال الحقل ودخل بكل قوته حياة وليم وردزورث (وردزورث) ودوروثي وردزورت، وكان هذا استجابة لدعوة أرسلها إليه وليم وردزورث• إن هذا الشاب الشاعر هو كولردج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الذروة 1804 - 1814

وبعد أن قام آل وردزورث بجولات قصيرة نقلوا مقر سكناهم (8081) من دوف كوتاج Dove Cottage إلى مسكن أوسع بالقرب من ألان بانك Allan Bank وهناك أبدع الشاعر كبستاني فزرع حول البيت نباتات ووروداً راحت تختال تحت أمطار جراسمير• وفي سنة 3181 انتقلت الأسرة أخيرا إلى عقار بسيط في جبل ريدال Rydal Mount في أمبلسيد Ambleside إلى الجنوب من جراسمير بميل• لقد أصبح آل وردزورث الآن في رغد من العيش ولديهم عدد من الخدم وصادقوا بعض ذوي المكانة• وفي هذا العام رتب اللورد لوندسديل Londsdale لتعيين وردزورث موزعا للطوابع في إقليم وستمورلاند Westmorland فاستمر يزاول هذا العمل حتى سنة 2481 وكان يدر عليه مائة جنيه إضافية في العام• أما وقد تخلص من متاعبه المالية فقد راح يقضي مزيدا من الوقت في بستانه فجعله فردوساً من الورود والنباتات المزهرة لاتزال موجودة• ومن نافذته في الطابق الثاني كان يطل على مشهد ملهم - انه منظر بحيرة ريدال Rydal water التي تبعد مسافة ميلين• وفي هذه الأثناء (5081) أكمل كتابه (المقدمة The Prelude) الذي كان قد بدأه سنة 8971• وقد كتبت دوروثي: إنه كان يجمعنا كل يوم في اجتماع كبير كله متعة وصفاء بعد أن يقوم بجولاته مشيا على الأقدام(88)• لقد كانت هي وسارة هتشنسون تنشغلان دوما بكتابة ما يُملى عليهما، وكان وردزورث قد تعلم التفكير من خلال الشعر المنثور• وكان يضع العناوين الجانبية لملحمته الشعرية التي تأنى في كتابتها تطور عقل شاعر The growth of Poetصs mind ، قد قصد بهذا العمل أن يكون سيرة ذاتية لتطوره العقلي والنفسي، وكمقدمة للنزهة The Excursion التي تعرض بالتفصيل الفلسفة التي تمخض عنها هذا التطور• وقد قدم لنا ما يفيد مودته لكولردج بأن راح مرارا يستعيد ذكرياته معه، وتوجيه الحديث إليه• لقد اعتذر للأنانية والحديث عن الذات كما تبدوان في القصيدة لمن تناولها بشكل سطحي، فقد اعترف أنه لم يسبق لأحد أن تحدث عن نفسه بهذه الكثرة(98) وربما لهذا السبب لم ينشر هذا العمل في أثناء حياته• لكنها مقبولة ومحتملة تماما إن تناولناها في جرعات قليلة، وأكثر ما هو مبهج فيها هو مشاهد طفولته (كتاب 1 و 2) حيث ذكر جولاته في الغابات المنعزلة حيث بدا له أنه يسمع صوت الرب الكامن وراء كل شيء، الذي يأخذ صورا شتى، كلما جلس• لقد بدا له أنه يسمع هذا الصوت في أصوات الطيور والحيوانات وحفيف الأشجار بل ويسمعه حتى في الصخور نفسها وفي التلال: - وحدي فوق ربوة ناتئة، - مع تنفس الصبح - ففي هذه اللحظات يكون - غالبا - هذا الهدوء القدسي، - الذي يغمر روحي، فلا أعود أرى بعيني بدني - إنني أنسى ذلك تماما، فما أراه - يبدو لي وكأنه داخل نفسي، يبدو حلماً - يبدو مشاهد موجودة داخل نفسي•• - لقد كنت في هذا الوقت - أرى بركات تنتشر حولي وكأنها بحر••• - بركات قدسية لا توصف•• - لقد شعرت بعاطفة الموجود Being تنتشر، - فوق كل ما يتحرك، وفوق كل مايبدو ساكنا، - فوق كل ما لا يطوله فكر - وفوق كل المعرفة البشرية، وفوق ما لا - تراه عين البشر، بل إنني أحسست أنه يعيش حتى في القلب، - فوق كل ما يثب وكل ما يجري، وكل ما يصيح وكل ما يغني - أو يحرك الهواء العليل، فوق كل ما هو بين الأمواج، بل إنه موجود حتى في الأمواج نفسها، - وفي أعماق البحار، وأعماق أعماقها، - أحس بالبهجة القصوى، إن وصل الاتصال ذروته - بين الأرض والسماء - اتصال بين كل ما هو مخلوق، مع - الخالق (غير المخلوق) ••

(قد نرى هنا تناقضا أو تراجعا، فالبيت الأخير يفترض وجود فاصل حقيقي بين الخلق والخالق، بينما نظرة وردزورث - كنظرة سبينوزا تريان الرب) والطبيعة شيئاً واحداً - النظرة القائلة (بوحدة الوجود)• وفي كامبردج (3) كان أحيانا ينضم إلى حفلات السمر التي يرتبها الطلبة كما كان أحيانا يشاركهم عبثهم ، ومع هذا فقد كان منزعجا لفهمهم للحياة بشكل سطحي طائش ، فقد كان يجد متعة أكثر في دراسة الكلاسيات الإنجليزية (الأعمال الأدبية الكلاسية ) أو ركوب الزوارق (ا لنص boating on the Cam ) وفي أوقات العطلات (4) كان يعود إلى مأواه الأصلي فيتناول طعامه على مائدة أسرته ويأوي إلى فراشه المعتاد: - هذا السرير المنخفض الذي كنت أسمع وأنا ثاو فيه عصف الريح ، وصوت المطر المنهمر بعنف - وكنت في ليالي الصيف أظل يقظان رغم تمددي على السرير وكان هذا يحدث كثيرا ، لأراقب - القمر في بهائه مضطجعا بين أوراق - أشجار الدردار الباسقة القريبة من مسكننا ، -ورحت أرقب هذه الأشجار بعينين لا تبغيان عنها حولا ، بينما تتحرك ذراها بين الحين والحين - مع كل هبة من هبات النسيم • وفي كوكرموث Cockermouth كان يستطيع السير مع كلبه الهرم الذي كان يتركه يؤلف الأشعار وينشدها بصوت عال دون أن يتهمه بخلل أصاب عقله: - آه ، أأنا في حاجة - يا صديقي العزيز - أن أقول إن قلبي قد فاض؟ ، إنني لا - أقدم نذورا ، إنما كانت النذور تقدم لي - ذلك أنني لا بد كنت روحا مكرسة يُهدى إليها لقد كان يعيش للشعر• كما كان يجد مسرة أيضا في تلك الرحلات الممتعة التي كان يقوم بها خلسة في القنال الإنجليزي (6) ليشعر بالسعادة المجنونة لفرنسا الثورة ، وبالفوران فوق الألب ( المفهوم طبعا أنه لا يصل إلى هذه الأماكن ) ومن ثم يعود إلى لندن تلك المدينة الضخمة التي تشبه كثيب الرمال الناتج عن تشييد النمل لمساكنها حيث برلمانها الذي يرتل تراتيل فضائل التقاليد مع احتقار شديد لنظرية (أفكار) محدثي النعمة (المقصود ثوار فرنسا) وراح يراقب الجموع المزدحمة في فوكسهول Vauxhall والذين يتعبدون في كنيسة القديس بول، وراح يرى أويسمع الجموع المتحركة تضم مختلف الأجناس والوجوه والأزياء واللغات، وفوضى المرور، وابتسامات المومسات ونداءات البائعين، ومناشدة النسوة، والفنانين يرسمون بالطباشير على أحجار الطريق (الرسم التقليدي - قرود على ظهور جمال) والمغنين في الطريق وكأنهم عشاق يعزفون السرينادات (أغان يرددها العشاق تحت شرفات المعشوقات) - كل هذا شعر به الشاعر شعورا قويا كشعوره بالغابات لكنه لم يرتبط بها وانسل (8) إلى المشاهد الأكثر هدوءا حيث الحب لكل الطبيعة يمكن أن يعلمه أن يفهم ويعفو•ثم يعود مرة أخرى لفرنسا (9) حيث برر الحكم الطاغي والبؤس القديم قيام الثورة وجعلها عادلة نبيلة بل إنه حتى البريتوني a Briton يمكنه أن ينخرط في هواها (تعتريه نشوة حب لها): - الجمال بشير بالوعود، - ليس في الأماكن الأثيرة وحدها وإنما في كل الأرض، - فأي منا لايتطلع مفكراً في السعادة المرتقبة•

ومن هذه النشوة التي بلغت السؤدد انحدرت فرنسا إلى الجريمة وانحدر وردزورث إلى النثر: - لكن الآن أصبح الثوار ظلمة - حولوا الحرب من أداة للدفاع عن أنفسهم - إلى أداة للغزو، ولم يعودوا يرون - كل ما كانوا يناضلون من أجله••• وببطء وتردد أنهى الشاعر مقدمته his Prelude (41) داعيا صديقه للعودة من مالطة (المقصود كولردج) لينضم للجهود المبذولة للعودة من الحرب والثورة إلى حب الطبيعة والبشر• ولم يكن على وفاق مع قصيدته(09) فقد كان يعلم أنه توجد صحراوات شاسعات حول الواحات• ولم يكن وردزورث يرى إلا فروقا قليلة بين النثر والشعر• لقد اعترف بذلك، وكان غالبا أيضا ما يمزج بينهما في شعره غير المقفى، المتسم بفتور نبرته وتؤدة وقعه• لقد جعل العاطفة والأحاسيس تنبع من السكون وهدوء النبرة، وجعل من هذا جوهر الشعر وروحه (دعنا نقل الموسيقا الداخلية) لكن هذا السكون الشعري الذي يستمر على نحو متواصل طوال أربع عشرة مقطوعة قد يحيلها إلى هوادة أو هدهدة تبعث على النوم• وبشكل عام فإن طبيعة الملحمة أنها تتناول حدثا عظيما أو نبيلا، أما الأفكار فهي شخصية جدا حتى إنه لا يصلح تناولها في ملحمة• ومع هذا فإن (المقدمة The Prelude) تركت القارئ المصمم على مواصلة قراءتها وقد شعر بقبول سليم للحقيقة الباقية• وفي بعض الأحيان كان وردزورث - كأغاني الطفولة - يطهرنا بنقاء الغابات والحقول ويجعلنا - كالتلال الراسخات - نتحمل العواصف صامتين صابرين•

وكان وردزورث قبل المغادرة قاصدا ألمانيا في سنة 8971 قد بدأ (الناسك The Recluse) وهو عمل بث فيه فكرة أن الانسان الذي يعرف الحياة حق المعرفة هو الذي عايشها ومن ثم انسحب منها، وقد حثه كولردج على تطوير هذه الفكره في صياغة كاملة ونهائية لفلسفته• وبتحديد أكثر اقترح عليه كولردج قائلا أريدك أن تكتب قصيدة بالشعر الحر (غير المقفى) موجهــة إلى هؤلاء الذين فقــدوا كل أمــل في تحســن أحــوال البشرية وانغمسوا فيما يكــاد يكون أنانيــة لا تبحث إلا عن اللــذة أو بتعبيــر آخــر الأنانيــة الأبيقورية - وذلك نتيجة الفشل الكامل للثورة الفرنسية(19) لقد اتفقا على أن ذروة الأدب هو الزواج السعيد بين الفلسفــة والشــعر• وعندمــا عاود وردزورث التفكيــر شــعر أنه غير مســتعد لمواجهــة هذا التحدي• وكان قد أحدث تطويرا مهما في (المقدمة The Prelude) ليجعل منها تاريخا لتطــوره العقلــي (النفســي) فكيــف يستطيع كتابــة شرح أفكاره أو عرضها قبل إنجاز هذا العمل (الناسك)؟ لقد نحى (الناسك The Recluse) جانبا وتابع كتابة (المقدمة The Prelude) إلى نهايتها• وبعد ذلك وجد نفسه واهن العزم قليل الثقة، وكان خروج كولردج من حياته قد حرمه من الإلهام الحي الذي كان يحفزه على العمل في وقت من الأوقات• وفي ظل هذه الأحوال المثبطة كتب (الرحلة The Excursion) لقد بدأها بداية جيدة بوصفه لأطلال المسكن حيث كان يعيش الجوال (الرحالة) ويبدو أنه أخذ هذا الوصف من عمله الذي تخلى عنه ولم يكمله ونعني به الناسك Recluse وهذه الصورة التي رسمها وردزورث تقود الرحالة إلى العزلة والتنسك Solitary فهو يحكي لنا كيف فقد إيمانه الديني وأصبح متخماً بالحضارة فعاد إلى سلام الجبال• وقدم لنا الجوال الدين على أنه العلاج الوحيد لليأس، والمعرفة شيء طيب لكنها تزيد من قوتنا أكثر من زيادتها لسعادتنا، ثم ينقاد للقس (راعي الأبرشية) الذي يقدم الإيمان البسيط والترابط الأسري عند رعاياه الفلاحين باعتبارهما أكثر حكمة من محاولة الفيلسوف صياغة حكمة العصور في روابط فكرية• لقد كره الجوال حياة المدن المصطنعة وشرور الثورة الصناعية ودعا إلى تعليم عالمي وتنبأ بآثاره الغظيمة• وعلى أية حال فإن القس (راعي الأبرشية) كانت لديه الكلمة الأخيرة فراح ينشد أنشودة التسبيح للرب• وقد نُشرت (الرحلة) وهي في جانب منها (الناسك Recluse) في سنة 4181 وبيعت النسخة بجنيهين (ومن المفترض أن المقدمة Prelude لم تكن قد طبعت حتى سنة 0581) وطلب وردزورث من جيرانه - كلاركسون Clarksons - مساعدته في بيع نسخ مطبوعة بين أصدقائهم من طائفة الكويكر Quaker الذين كانوا أثرياء وشغوفين بالكتب التنويرية والثقافية وقدم نسخة للروائي تشارلز لويد Charles Lloyd على ألا يعيرها لأي قادر على شراء نسخة ورفض أن يعير نسخة لأرملة ثرية اعتبرت أن سعر النسخة مرتفع بالنسبة إلى جزء من عمل(29) وبعد ثمانية أشهر من النشر لم يكن قد باع إلا ثلاثمائة نسخة.

أما المتابعون للعمل فقد تبانيت آراؤهم فاللورد جفري Jeffrey أدان في نوفمبر سنة 4181 (في مطبوع مستخلصات إدنبره Edinburgh Review) القصيدة بمقدمة تعتبرها نذير سوء إن هذا لن يحدث أبداً أما هازلت Hazlitt فبعد أن امتدح الفقرات البهيجة المتعلقة بوصف الطبيعة، والأفكار الموحية ذكر أن القصيدة طويلة ومتكلفة وكرر النتائج نفسها حتى أصبحت سطحية وتافهة(39) أما كولردج الذي دعا إلى تأليف عمل كبير خالد، فقد رأى في (الرحلة Excursion) إسهابا وإطنابا وتكرارا وإعادة(49) لكن كولردج راح بعد ذلك في (Table Talk) يمتدح الكتابين (الجزئين) الأول والثاني باعتبارهما من أجمل القصائد في اللغة الإنجليزية(59)• أما شيلي Shelley فقد كره (الرحلة) لأنها تبين استسلام وردزورث للفكر الحلولي (كوْن الرب والطبيعة شيئا واحدا)، لكن كيتس Keats اعتبر وردزورث بسبب هذه القصيدة أعلى مرتبة من بايرون Byron(69)، وبمرور الوقت ترسخ رأي كيتس•


حكيم هاي‌گيت 1816 - 1834

في أبريل سنة 1816 كان كولردج قريبا من الانهيار الجسدي والنفسي وهو في الثالثة والأربعين، وفي هذه الأثناء استقبله د• جيمس جيلمان James Gillman كمريض في هاي‌گيت Highgate بلندن، وكان كولردج في هذه الأثناء يتناول ما وزنه باينت Pint من اللودانيوم (مستحضر أفيوني) يوميا• وقد وصفته سوثي Southey في نحو هذه الفترة بأنه كان كزوج هائلا كمنزل• لقد أصبح متحنياً غير متماسك، وأصبح وجهه شاحبا منتفخا مترهلا وأصبح ينهج (قصير النَّفَس)، وأصبحت يداه واهنتين مرتعشتين لا يستطيع إلا بالكاد أن يرفع كوباً إلى شفتيه(79) وكان له بعض الأصدقاء المحبين له مثل لامب Lamb ودي كوانسي De Quincey وكراب روبنسون Crabb Robinson لكنه قلما كان يرى زوجته وأولاده• وربما كان الطبيب الشاب قد سمع أن بايرون Byron ووالتر سكوت Scott قد اعتبرا هذا الإنجليزي المكسور أعظم رجال الأدب الإنجليز(89)• وعلى أية حال فقد كان من رأي هذا الطبيب أنه يمكن إنقاذ كولردج - فقط - بالمداومة على العناية الطبية به والإشراف عليه، فأخذه إلى بيته (أي بيت الطبيب) بموافقه زوجته (زوجة كولردج) وأطعمه واعتنى به وعالجه، وظل تحت إشرافه إلى أن مات.

لقد استعاد كولردج نشاطه العقلي بشكل مدهش، ودهش الطبيب لاتساع دائرة معارف مريضه وثراء أفكاره وألمعية حواراته ومناقشاته التي فتحت أبوابه لعدد كبير من الشباب وكبار السن اعتبروا هذا الملاك المحطم ذا تأثير كبير وذا فطنة، ولحديثه مذاق خاص رغم أنه قلما يلتزم الوضوح الكامل والنظام المنطقي الصارم • ولازالت متفرقات من هذه المناقشات المدونة في (الحوارت Table Talk) تبرق تألقا: كل إنسان ولد أرسطيا أو أفلاطونيا إما أن تكون لنا أرواح خالدة، أو لاتكون• فإن لم تكن لنا فنحن دواب، دواب من الدرجة الأولى أو دواب حكيمة أو أحكم الدواب ليس هذا مهما، المهم أننا بدون أرواح خالدة نكون دواباً (بهائم) حقيقية(99)• ولم يكن يرضيه أن يكون من بين أحكم الدواب• وكلما اقترب من الموت كان يبحث عن راحته وسلواه في أحضان الدين، كما لو كان يريد التأكيد من صفقته فقد اعتنق الدين (المسيحي) في أقصى درجات سلفيته (أورثوذ كسية) المعروفة - ممثلة في كنيسة إنجلترا باعتبارها ركيزة الاستقرار والأخلاق في إنجلترا والتي لها الدوام للأبد• وقد قدم في مقاله عن دستور الدولة وكنيستها الدستور والكنيسة باعتبارهما ثنائيا ضروريا لوحدة الأمة يحمي كل منهما الآخر(001)• وقد عارض هو ووردزورث التحرر السياسي للكاثوليك البريطانيين على أساس أن قوة الباباوية ستعرض الدولة للخطر بازدياد تنازع الولاء بين الوطنية والدين•

وقد أخذ الجانب المحافظ حتى كبر سنه• ففي سنة 1818 أيد روبرت أوين Robert Owen والسير روبرت پيل Peel في معركتهما لفرض قيود على تشغيل الأطفال، لكنه في سنة 1381 عارض مرسوم الإصلاح Reform Bill الذي كان سيؤدي إلى كسر هيمنة التوريين (حزب المحافطين) على البرلمان، وعارض إلغاء الرق في الهند وجزر الهند الغربية(101) وكان هو من درس العلوم وأيد العلم - أكثر من غيره من الفلاسفة، ومع هذا فقد رفض فكرة التطور وفضل على حد تعبيره التاريخ كما أجده في الكتاب المقدس(201) وفي النهاية استسلم ذكاؤه الرحب ورؤيته البعيدة المدى لآلام جسده وما اعترى إرادته من اعتلال، واعتراه خوف شديد من أي تغيير في السياسة أو العقيدة الدينية.

وكان يفتقد الصبر والدأب لتأليف عمل متكامل مترابط، ففي السيرة الأدبية Bigorophia Literaria (7181) أخبرنا عن عزمه على كتابه اللوجوسوفيا Logosophia كعمل كبير يلخص فيه العلم والفلسفة والدين ويربط بينها، لكن كل ما سمح له به بدنه وروحه هو خليط غير مترابط مشوش وغامض• لقد أصبح هذا هو حال العقل الذي وصفه (في وقت من الأوقات) دي كوينسي De Quincey بأنه أرحب عقل بشري وأكثر العقول دقة وفهما(301).

وفي يوليو سنة 4381 بدأ كولردج وداعه للحياة• إنني أموت، لكن دون أن أتوقع راحة سريعة••• هوكر Hooker رغب العيش ليُنهي كتابه الحكومة الإكليريكية - كذلك أنا أرغب أن تمهلني الحياة ويكون لدي القوة لإكمال فلسفتي، لأنني - والله يسمعني - عزمت وصممت في قلبي على السمو باسمه الجليل كما أهدف - بعبارات أخرى - للرقي بالبشرية• لكن المرء يريد والله يريد والله فعّال لما يريد، وما أراده الله كان وما لم يرده لم يكن(401) ومات كولردج في 52 يوليو 4381 في الثانية والستين من عمره. وصدم وردزورث لرحيل أفضل من عرفهم وقال لامب Lamb الصديق الصدوق لكليهما إن روحه العزيزة والعظيمة تلبَّستني(501)•

للاستزادة

  • Hunter Davies, William Wordsworth-A Biography, Frances Lincoln Ltd,London,2009 ISBN 978-0-7112-3045-3
  • Emma Mason, The Cambridge Introduction to William Wordsworth (Cambridge University Press, 2010) [1]
  • M.R. Tewari, One Interior Life—A Study of the Nature of Wordsworth's Poetic Experience, (New Delhi: S. Chand & Company Ltd, 1983)
  • Report to Wordsworth Written by Boey Kim Cheng, as a direct reference to his poems Composed Upon Westminster Bridge and The World is too Much with us

الهامش

  1. ^ "The Cornell Wordsworth Collection". Cornell University. Retrieved on 13 February 2009.

وصلات خارجية

معلومات عامة واسكتشات سيرة

كتب

  • Anonymous; Wordsworth at Cambridge. A Record of the Commemoration Held at St John’s College, Cambridge in April 1950; Cambridge University Press, 1950 (reissued by Cambridge University Press, 2009, ISBN 978-1-108-00289-9)
  • Mallaby, George, Wordsworth: a Tribute (1950)

أعمال وردزورث

مكاتب القصر
سبقه
روبرت ساوثي
British Poet Laureate
1843–1850
تبعه
Alfred Tennyson

قالب:William Wordsworth