المعز بن باديس
المعز بن باديس (1008 م - 4 شعبان 454هـ=13 أغسطس 1062 م) "هو رابع السلاطين الزيريين في أفريقية (تونس حاليا). وتُعتبر فترة حكمه من أطول الفترات خلال العهد الزيري، إذ حكم بين 406-453/1015-1061.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نشأته
كانت ولادته في المنصورية من أعمال إفريقية، وتولى الحكم سنة 406هـ وهو ابن سبعة أعوام أو ثمانية، فتولى توجيهه وتأديبه وزيره أبو الحسن بن أبي الرِّجال، الذي استماله إلى مذهب مالك وإلى أهل السنة والجماعة، وكانت إفريقية شيعية على المذهب الفاطمي منذ أن سيطر الفاطميون عليها، وكان ملوك صنهاجة يخطبون للخلفاء الفاطميين بإفريقية.
كان المعزّ بن باديس، كريماً متوقّد الذهن، حاضر البديهة حاذقاً لطرائف الألحان، عالماً بالمنثور والمنظوم من الكلام، وله كتاب «عمدة الكُتّاب وعُدّة الألباب» وهو مطبوع، وقد مدحه كثير من الشعراء فأجزل لهم العطاء، أشهرهم ابن شرف القيرواني.
انشطار الدولة
قُدِّر لأيام حكم المعزّ بن باديس التي طالت إلى ما يقرب من نصف قرن أن تشهد أكثر الحوادث الحاسمة في تاريخ هذه السلالة، فقد انقسمت الدولة في أيامه إلى دولتين، ذلك أن والده باديس بن منصور (386-406هـ) كان قد عهد إلى عمه حمّاد الذي قاد بعض الحملات الناجحة على قبيلة زناتة في أيام أبيه بمحاربتهم ثانية، وأباح له امتلاك مايفتحه، ونجح العم في هذه المهمة، لكن باديس نقض ماوعد به سابقاً، فكتب إلى عمه سنة 405هـ يأمره برفع يده عمَّا حازه من الأعمال، وامتنع حمّاد، فوقعت حرب بين الرجلين أوشك فيها باديس أن يحرز انتصاراً تاماً على عمه، لكنه توفي قبل ذلك، وقد اعترف المعز بن باديس بعد ذلك لعمّ أبيه بما تحت يده، وانقسمت الدولة إلى اثنتين، بانفصال قسمها الغربي عنها ومدينة «أشير» قاعدة السلالة القديمة.
الانفصال عن الفاطميين
كذلك حدث في أيام المعز الانفصال عن الفاطميين رسمياً وقد أخذ يقلّص نفوذهم تدريجياً حتى أعلن استقلاله عنهم سنة 440هـ فقطع الخطبة لهم وقطَّع بنودهم وأحرقها، وفي سنة 441هـ أمر بتبديل السِّكَّة وأمر الناس أن يتلفوا سكة الفاطميين، وفي سنة 443هـ أمر ابن باديس بلبس السواد بالقيروان والدعاء لبني العباس.
أما أسباب الانفصال فيعزوها المؤرخون إلى ميل المعز إلى أهل السنَّة لتأثره بمؤدبه السنّي وقد كَتم اعتقاده أول الأمر، ثم أعلنه. وقد يكون من الأسباب الأخرى الأحوال التي كانت قائمة في ذلك الحين، فالزيريون كغيرهم من زعماء القبائل الذين اتبعوا دعوة الفاطميين أو الأمويين كانت تهمهم مصلحتهم ومصلحة قبائلهم، من دون أن يكون للعوامل الاعتقادية شأن كبير لديهم بدليل تغير ولائهم بتغير الأحوال.
ولما تولى ابن باديس الحكم كان الحاكم بأمر الله الفاطمي (386-411هـ/996-1021م) هو الخليفة بمصر. وقد أفتى بعض الفقهاء من المالكيين بتكفير من تشرَّق واتبع الفاطميين ولو كان مكرهاً، وبسبب سيطرة الفقهاء على العامة فقد اندفع هؤلاء في منتصف المحرم عام 407هـ بعد ارتقاء المعز بن باديس العرش ولدى وصوله إلى القيروان إلى قتل الشيعة ثم امتدَّ الأمر إلى البوادي ففرّ هؤلاء إلى المدن الأخرى مثل المهدية وتونس، وتصدى ابن باديس لهذه الفتنة، فعزل والي القيروان منصور بن رشيق المتهم بالتعاطف مع أهل السنة، واضطر لقتل أبي علي بن خلدون شيخ القيروان المحرِّك للعامة. وهكذا فإن تبعية ابن باديس للفاطميين كان فيها عبء عليه وغرم وليس فيها من غنم، مادامت تجر عليه نقمة الناس في القيروان وغيرها من كبريات المدن كتونس التي كان شيخها يجاهر بالدعاء عليه وذلك حين بلغه أنه هدد تونس إثر قتل الناس فيها لأتباع الفاطميين، فرأى ابن باديس من الأصوب أن يعلن انفصاله عن الفاطميين ومبايعة العباسيين.
كانت أولى النتائج التي نجمت عن هذه الأحداث سيادة المذهب المالكي في ولاية إفريقية، أما النتيجة الثانية فكانت اجتياح الهلاليين لأراضي الدولة منطلقين من مصر، وما تبع دخولهم من تقوّض أركان الدولة الزيرية.
اجتياح بني هلال لتونس
- مقالة مفصلة: اجتياح بني هلال تونس
كان جل العرب البدو الذين عبروا مصر إلى المغرب من بني هلال المقيمين في صعيد ومصر وفي القسم الشرقي من النيل، وتعزو الرواية عبورهم النيل واتجاههم غرباً إلى موقف المعز بن باديس من قطع الدعوة للفاطميين، فهذا ما جعل الخليفة الفاطمي المستنصر بالله (427-487هـ) ووزيره الحسن بن علي اليازوري يحثان العرب على عبور النيل غرباً بعد أن كانوا يمنعونهم منه، ومنحوا كل عابر ديناراً. وكان أول الواصلين من بني هلال إلى ولاية إفريقية، بني رياح وزعيمهم مؤنس بن يحيى الرياحي الذي قرَّبه ابن باديس، وكان ابن باديس كارهاً لإخوانه من صنهاجة حاقداً عليهم يميل إلى استبدال غيرهم بهم، ولكنه كان لا يُظهر ذلك لهم، فشاور ابن باديس مؤنساً في اتخاذ قومه بني رياح جنداً له، فأشار عليه بأن لا يفعل، وعرَّفه قلة اجتماع القوم على الكلمة وعدم انقيادهم للطاعة، فألح عليه ابن باديس في ذلك واتّهمه أنه يريد الانفراد حسداً منه لقومه، ثم ساءَت العلاقة بينهما ونشبت الحرب بين الفريقين، وانهزم ابن باديس أمام العرب فحاصروه في القيروان، ولم يستطع صدَّهم، كما أنهم لم يكونوا قادرين على احتلال المدن المسوَّرة لعدم خبرتهم وعدم امتلاكهم لآلات الحصار، ولكنهم كانوا يشنون الغارات، ويقطعون الطرق، ويفسدون الزرع، ويقطعون الثمار. وانتهى الأمر بالسماح لهم بدخول المدينة والتسوق منها وانسحب المعز بن باديس إلى المهديّة المحصنة على ساحل البحر المتوسط سنة 449هـ/1057 فتلقّاه ابنه تميم ولي العهد، وكان أبوه قد ولاه المهدية سنة 445هـ. ونهبت العرب القيروان، وبدأ الانحلال يتفشى بعد ذلك في الدولة حيث قامت في كل بلد سلالة محلية تشتري دعماً لها من زعيم إحدى القبائل، لكنها كانت سريعة الانحلال في الغالب، وكان الاستثناء الوحيد تونس التي استطاع عاملها ابن خراسان إنشاء إدارة محلية احتفظت بعلاقات حسن جوار مع العرب حولها، وظلت قائمة في ظل خلفائه مدة قرن تقريباً ثم ضُمّت بعد ذلك إلى الموحدين.
أما المعز بن باديس فقد استمر حاكماً في المهدية حتى وفاته. واستطاعت السلالة الزيرية البقاء هناك مدة قرن ضمن شريط ضيق من الساحل، وكانت نهاية دولتهم على يد النورمنديين الذين احتلوا صقلية، ثم بدؤوا يتطلعون إلى احتلال موقع قدم لهم على الشواطئ الإفريقية، فاستولوا على جزيرة جربة ثم على جزر قرقنة، ثم استولوا على المهدية سنة 542هـ/1147م، وبقيت خاضعة لهم حتى طردهم منها الخليفة الموحّدي عبد المؤمن بن علي سنة 555هـ.
المصادر
مراجع
- تاريخ ابن خلدون، الجزء الثالث، ( 187 من 258 )